الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } * { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } * { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } * { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } * { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }

فقوله { ربكم أعلم بما في نفوسكم } أي أعلم منكم به، وهو تمهيد لما يتلوه من قوله { إن تكونوا صالحين } فيفيد تحقيق معنى الصلاح أي إن تكونوا صالحين وعلم الله من نفوسكم ذلك فإنه كان الخ، وقوله { فإنه كان للأوابين غفوراً } أي للراجعين إليه عند كل معصية وهو من وضع البيان العام موضع الخاص. والمعنى إن تكونوا صالحين وعلم الله من نفوسكم ورجعتم وتبتم إليه في بادرة ظهرت منكم على والديكم غفر الله لكم ذلك إنه كان للأوابين غفوراً. قوله تعالى { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } تقدم الكلام فيه في نظائره، وبالآية أن إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل مما شرع قبل الهجرة لأنها آية مكية من سورة مكية. قوله تعالى { ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً } قال في المجمع التبذير التفريق بالإِسراف، وأصله أن يفرق كما يفرق البذر إلا أنه يختص بما يكون على سبيل الإِفساد، وما كان على وجه الإِصلاح لا يسمى تبذيراً وإن كثر. انتهى. وقوله { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } تعليل للنهي عن التبذير، والمعنى لا تبذر إنك إن تبذر كنت من المبذرين والمبذرون إخوان الشياطين، وكأن وجه المواخاة بينهم أن الواحد منهم يصير ملازماً لشيطانه وبالعكس كالأخوين اللذين هما شقيقان متلازمان في أصلهما الواحد كما يشير إليه قوله تعالىوقيضنا لهم قرناء } فصلت 25، وقولهاحشروا الذين ظلموا وأزواجهم } الصافات 22 أي قرناءهم. وقولهوإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } الأعراف 202. ومن هنا يظهر أن تفسير من فسر الآية بأنهم قرناء الشياطين أحسن من قول من قال المعنى أنهم أتباع الشياطين سالكون سبيلهم. وأما قوله { وكان الشيطان لربه كفوراً } فالمراد بالشيطان فيه هو إبليس الذي هو أبو الشياطين وهم ذريته وقبيله واللام حينئذ للعهد الذهني ويمكن أن يكون السلام للجنس والمراد به جنس الشيطان وعلى أي حال كونه كفوراً لربه من جهة كفرانه بنعم الله حيث أنه يصرف ما آتاه من قوة وقدرة واستطاعة في سبيل إغواء الناس وحملهم على المعصية ودعوتهم إلى الخطيئة وكفران النعمة. وقد ظهرت مما تقدم النكتة في جمع الشيطان أولاً وإفراده ثانياً فإن الاعتبار أولاً بأن كل مبذر أخو شيطانه الخاص فالجميع إخوان للشياطين والاعتبار ثانياً بإبليس الذي هو أبو الشياطين أو بجنس الشيطان. قوله تعالى { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً } أصله إن تعرض عنهم و { ما } زائدة للتأكيد والنون للتأكيد. والسياق يشهد بأن الكلام في إنفاق الأموال فالمراد بقوله { وإما تعرضن عنهم } الإعراض عمن سأله شيئاً من المال ينفقه له ويسد به خلته وليس المراد به كل إعراض كيف اتفق بل الإِعراض عندما ليس عنده شيء من المال يبذله له وليس بآيس من وجدانه بدليل قوله { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } أي كنت تعرض عنهم لا لكونك مليئاً بالمال شحيحاً به ولا لأنك فاقد له آيس من حصوله بل لأنك فاقد له مبتغ وطالب لرحمة من ربك ترجوها يعني الرزق.

PreviousNext
1 2 4 5 6 7 8 9 10  مزيد