كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: " أنا أعرف بأحوال السماء من أحوال الأرض " وقول النبي (صلّى الله عليه وآله): " أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع قدم إلاَّ وفيه [ملك] ساجد وراكع " صريح في أنه (صلّى الله عليه وآله) قد علم أحوال كل شبر من أشبار السماء، وما تعلق بها من نفس وعقل عبّر عنهما بالساجد والراكع. والعامة والظاهريون من العلماء إنَّما اعتمادهم على صور هذا العالم، لعدم استطاعتهم على تجريد كل صورة عن جيمع خصوصيات المواد، فإذا تجردت صورة عن بعض خصوصيات المادة التي عاهدوها فيوشك أن ينكروها، لإلفهم بالمادة المخصوصة، واعتيادهم بالصور المحسوسة، وأما العالم الراسخ فكلما كانت الصورة أخلص جوهراً من المواد، وأجود وجوداً من الأغشية كانت أشدّ تحققاً عنده، وأقوم ثباتاً، وأدوم بقاء. تأييد أما قرع سمعك ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: " إن في الجنة سوقاً تباع فيه الصور " ونقل عن بعض الصلحاء أنّه قال: " رأيت ربّي في المنام على صورة أمي " وعبّر المعبّر " الرب " بالآيات القرآنية، و " الأم " بالنبي (صلّى الله عليه وآله) وعنده أُم الكتاب، وهذا ضرب من التمثيل ورؤية النبي (صلّى الله عليه وآله) جبرائيل تارة في وصرة أعرابي، وتارة في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة عظيمة كأنه طبّق الخافقين، كل ذلك من التمثيلات المختلفة بحسب المقامات المتفاوتة، والنشآت المختلفة وإلاَّ فجبرائيل حقيقة واحدة، وإنَّما اختلافه بحسب اختلاف العوالم والنشآت. وعلى هذا القياس، الحكايات الواردة في باب النبي (صلّى الله عليه وآله) ورؤيته ربه، ورؤية سائر الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ربّهم على أنحاء مختلفة متفاوتة في الظهور والخفاء، بحسب ثخانة الحجاب ورقّته. ومن جملة الحجب هوية السالك - " وجودك ذنب لا يقاس به ذنب " - وتعينه الموسوم بجبل موسى (عليه السلام)، فلما لم يفن السالك عن هويته، ولم يرتفع من البين جبل تعينه، ولم يضمحل، اضمحلال الجمد وذوبان الثلج عند استيلاء قهر شمس الحقيقة عليه، لم يشاهد ذات الحق تعالى، وأول ما يجب على السالك الذاهب إلى الله بقدم الصدق والمعرفة، أن يرفع من طريقه أذى هويته التي هي من جملة الآفلين، وإن تطورت في أطواره بصورة الطبيعة والنفس والعقل، كالكواكب والقمر والشمس، حتى يصدق كالخليل في دعواه: