الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

واستدل بهذه الآية جماعة على فضل أبي بكر، فانه لا خلاف أنه كان من المبايعين تحت الشجرة. وقد ذكر الله أنه رضي عنهم، وانه أنْزل السكينة عليهم وانه علم ما في قلوبهم من الايمان، واثابهم فتحاً قريباً.

والكلام على ذلك مبني على القول بالعموم، وفي أصحابنا من قال لا صيغة للعموم ينفرد بها. وبه قال كثير من المخالفين، فمن قال بذلك كانت الآية عنده مجملة لا يعلم المعنى بها، وقد بايع صلى الله عليه وآله جماعة من المنافقين بلا خلاف، فلا بد من تخصيص الآية على كل حال. على انه تعالى وصف من بايع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنها لم تحصل فى جميع المبايعين، فوجب أن يختص الرضا بمن جمع الصفات لأنه قال { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً } ولا خلاف بين أهل النقل ان الفتح الذى كان بعد بيعة الرضوان بلا فصل هو فتح خيبر. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذلك قال: " لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرّاراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يده " فدعا علياً فأعطاه الراية، وكان الفتح على يده، فوجب ان يكون هو المخصوص بحكم الآية، ومن كان معه فى ذلك الفتح لتكامل الصفات فيهم. على ان ممن بايع بيعة الرضوان طلحة والزبير، وقد وقع منهما من قتال علي عليه السلام ما خرجا به عن الايمان وفسقا عند جميع المعتزلة ومن جرى مجراهم، ولم يمنع وقوع الرضاء فى تلك الحال من مواقعة المعصية في ما بعد، فما الذي يمنع من مثل ذلك فى غيره. وليس إذا قلنا: أن الآية لا تختص بالرجلين، كان طعناً عليهما بل إذا حملناها على العموم دخلا، وكل متابع مؤمن معهما، فكان ذلك أولى.

وقوله { ومغانم كثيرة تأخذونها } يعني ما غنتموه من خيبر من انواع الغنائم { وكان الله عليماً } بمصالح عباده { حكيماً } فى جميع أفعاله. ثم قال { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه } يعني غنائم خيبر. والباقي كل ما يغنمه المسلمون من دار الحرب { وكف أيدي الناس عنكم } يعني أسداً وغطفان، فانهم كانوا مع خيبر فصالحهم النبي صلى الله عليه وآله فكفوا عنه. وقيل: يعني اليهود كف ايديهم عنكم بالمدينة من قبل الحديبية ومجيء قريش، فلم يغلبوكم { ولتكون آية للمؤمنين } يستدلون بها على صحة قولكم { ويهديكم } أي ويرشدكم { صراطاً مستقيماً } يفضي بكم إلى الحق وما يؤدي إلى الثواب. والواو فى قوله { ولتكون } معناه إنا وعدناكم الغنائم لكف أيدي الناس عنكم وليكون ذلك آية للمؤمنين إذ وقع الخبر على ما أخبر به، لانه علم غيب لا يعلمه إلا الله.


PreviousNext
1 2 3