الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

القراءة: قرأ يعقوب وسهل تَقِيَّةً وهو قراءة الحسن ومجاهد والباقون بالتفخيم. الحجة: الأجود في تقاة التفخيم من أجل الحرف المستعلي وهو القاف وإنما جازت الإِمالة لتؤذن أن الألف منقلبة من الياء وتقاة وزنها فُعَلَة نحو تُؤَدَة وتخَمَة فهما جميعاً مصدراً اتقّى تقيةً وتقاة واتقّاءً وتقوى وأصلـه وُقاء إلا أن الواو المضمومة أبدلت تاء استثقالاً لـها فإنهم يفرّون من ضمة الواو إلى الـهمزة وإلى التاء فأما التاء فلقربها من الواو مع أنها من حروف الزيادات وأما الـهمزة فلأَنها نظيرتها في الطرف الآخر من مخارج الحروف مع حسن زيادتها أولاً والتقية الإِظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس. الإِعراب: معنى من ابتداء الغاية من قولـه من دون المؤمنين على تقدير لا تجعلوا ابتداء الولاية مكاناً دون المؤمنين لأَن مكان المؤمن الأَعلى ومكان الكافر الأدنى كما تقول زيد دونك ولست تريد أن زيداً في موضع مستفل أو أنه في موضع مرتفع لكن جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع والخسة كالاستفال وقولـه { فليس من الله في شيء } من في من الله يتعلق بمحذوف وهو حال والعامل فيه ما يتعلق به في وتقديره فليس في شيء من الله فمن الله في موضع الصفة لشيء فلما تقدمه انتصب على الحال وقولـه أن تتقوا في محل الجر محذوف أو في محل النصب بحذف الباء على ما مرّ أمثالـه. المعنى: لما بيَّن سبحانه أنه مالك الدنيا والآخرة والقادر على الإِعزاز والإِذلال نهى المؤمنين عن موالاة من لا إعزاز عندهم ولا إذلال من أعدائه ليكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين فقال { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم وأن يستعينوا بهم ويلتجئوا إليهم ويظهروا المحبة لـهم كما قال في عدة مواضع من القرآن نحو قولـه:لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسولـه } [المجادلة: 22] الآية وقولـهلا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } [المائدة: 51]ولا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء } [الممتحنة: 1] وقولـه { من دون المؤمنين } معناه يجب أن يكون الموالاة مع المؤمنين وهذا نهي عن موالاة الكفار ومعاونتهم على المؤمنين وقيل نهي عن ملاطفة الكفار عن ابن عباس والأَولياء جمع الولي وهو الذي يلي أمر من ارتضى فعلـه بالمعونة والنصرة ويجري على وجهين أحدهما: المعين بالنصرة والآخر: المعان فقولـه تعالى { الله ولي الذين آمنوا } معناه معينهم بنصرته ويقال المؤمن ولي الله أي معان بنصرته. وقولـه { ومن يفعل ذلك } معناه من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين { فليس من الله في شيء } أي ليس هو من أولياء الله والله بريء منه وقيل ليس هو من ولاية الله تعالى في شيء وقيل ليس من دين الله في شيء ثم استثنى فقال { إلا أن تتقوا منهم تقاة } والمعنى إلا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم فعند ذلك يجوز لـه إظهار مودتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس وقال أصحابنا: إنها جائزة في الأَحوال كلـها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح وليس تجوز من الأَفعال في قتل المؤمن ولأَن يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد في الدين قال المفيد أنها قد تحت أحياناً وتكون فرضاً ويجوز أحياناً من غير وجوب وتكون في وقت أفضل من تركها وقد يكون تركها أفضل وإن كان فاعلـها معذوراً ومعفواً عنه متفضلاً عليه بترك اللوم عليها.

السابقالتالي
2