الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [الآية: 31].

قال عمرو بن عثمان: محبَّة الله تعالى منى معرفته ودوامُ خشيتهِ ودوامُ اشتغال القلب به ودوامُ انتصاب القلب بذكره، ودوام الأنس به.

قال محمد بن خفيف: المحبَّةُ: الموافقة لله تعالى فى التماس مرضاته.

وقيل المحبَّةُ: اتباعُ الرسول صلى الله عليه وسلم فى أقوالهِ وأفعَاله وآدابِه إلا ما خصَّ به، لأنَّ الله تعالى قرَن محبَّته باتباعه.

وقيل المحبَّةُ: هى الأثرةُ لله تعالى على جميع خلقه.

قال بعضُهُم: المحبَّةُ هى موافقةُ القلوب عند بروز لطائفِ الجمال.

قال أبو يزيد: أحبَبتُ الله تعالى حتى أبغضتُ نفسى، وأبغضتُ الدُنيا حتى أحببتُ طاعة الله تعالى، وتركتُ ما دُون الله تعالى حتى وصلتُ إلى الله تعالى، واخترتُ الخالقَ على المخلوقِ، فاشتغل بخدمتى كلُّ مخلوق.

سُئِلَ الأنطاكى ما علامةُ المحبَّة؟ فقال: أن يكونَ قليلَ العبارةِ دائم التفكر، كثير الخلوةِ، ظاهر الصمت، لا يبصر إذا نظر ولا يسمع إذا نودى، ولا يحزنُ إذا أُصيب ولا يفرحُ إذا أصاب ولا يخشى أحدًا ولا يرجوه.

سُئل يحيى بن معاذ عن حقيقة المحبَّةِ فقال: الذى لا يزيد بالبر ولا ينقُصُ بالجفوة.

قال سهلُ بن عبد الله: مُحِبُّ الله تعالى على الحقيقة من يكون اقتداؤه فى أحواله وأفعاله وأقواله بالنبى صلى الله عليه وسلم.

قال جعفر رحمه الله فى قوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } قيَّدَ أسرار الصديقين بمتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم لكى يعلمُوا أنهم وإن علت أحوالهم وارتفعت مراتبهم لا يقدرون مجاورته ولا اللحوق به.

قال ابن عطاءٍ فى هذه الآية: أمرَ بطلب نُورِ الأدنى من عمى عن نُور الأعلى.

قال أبو عبد الرحمن السلمى رحمه الله: لا وصول إلى النور الأعلى لمن لا يستدلُّ عليه بالنور الأدنى، ومن لم يجعل السبيل إلى النور الأعلى التمسُّك بآداب صاحب النور الأدنى ومتابعته صلى الله عليه وسلم فقد عمى عن النورين جميعًا فأُلبس ثوب الاغترار.

قال أبو عثمان فى قوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي } قال: صدِّقوا محبتكم إياى بمتابعة حبيبى، فإنه لا وصول إلى محبتى إلا بتقديم محبَّته، واتباعه على طريقته، فإن طريقته هى الطريقة المثلى والوصلةُ إلى الحبيبِ الأعلى.

قال أبو يعقوب السُّوسى رحمه الله: حقيقة المحبَّة هى أن ينسى العبدُ حَظَّهُ من ربه وينسى حوائجه إليه.

قال الواسطى: لا تصح المحبَّةُ وللإعراض على سرّه أثر وللشواهد فى قلبه خطرُ، بل صحةُ المحبَّة نسيانُ الكلّ فى استغراق مُشاهدة المحبوب وفناهُ به عنه.

قال ابن منصور: حقيقةُ المحبّة قيامُك معَ محبوبك وخلع أوصافكَ والاتصاف بأوصافه.

قال محمد بن الفضل فى قوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ }: نفى اسم المحبة عمن يخالف شيئًا من سُنن الشريعة ظاهرًا وباطنًا، أو يترك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما دَقَّ وجل، لأن المتابع له من لا يخالفه فى شئ من طريقته صلى الله عليه وسلم.

سمعت النصرآباذى يقول: محبَّةٌ توجب حقنَ الدم، ومحبَّةٌ توجبُ سفكهُ بأسياف الحُبّ وهو الأجل.

سمعت السلامىّ يقولُ فى قول الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } قال: اشتقت المحبَّة من حبَّة القلب، وحبَّةُ القلبِ عينُ القلبِ، وهو مثلُ أن تقع الحبَّةُ فى الأرض فتنبت.