الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } * { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } * { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } * { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ... } الآية [الليل: 8]، والأول يكون صلة قوله: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ }.

وقوله - عز وجل -: { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } ، أي: نارا تتوقد، وتتلهب، أو تتشعب، على ما ذكر من صفتها.

ثم ذلك الإنذار يكون للفريقين: لأهل التوحيد، ولأهل الشرك جميعا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }.

قالت المعتزلة: هذا ليس على حقيقة التكذيب؛ ولكن على التقصير والتفريط في أمر الله تعالى، والوقوع في مناهيه؛ فيصرفون الآية إلى أصحاب الكبائر بارتكابهم الكبيرة يصيرون مكذبين ومتولين؛ لأنهم في ابتداء اعتقادهم التوحيد والإيمان اعتقدوا وفاء كل ما وقع به الأمر، ووفاء كل ما يليق به، والانتهاء عن جميع ما لا يليق به، فإذا ترك ذلك صار مكذبا لما اعتقد في الأصل وفاء ذلك.

لكن عندنا لا يصير بترك الوفاء مكذبا؛ لكن يصير مخالفا لما وعد واعتقد.

واستدلت المرجئة الذين لا يرون العذاب إلا لأهل الشرك والكفر بهذه الآية يقولون: إنه لا يصلاها إلا الذي كذب وتولى، والمسلم وإن ارتكب الكبيرة أو الصغيرة فهو ليس بمكذب ولا متولٍّ.

ولكن تأويل الآية عندنا في الكفرة، ليست في أهل التوحيد والإيمان.

ثم يحتمل قوله: { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } في باب ودرك دون درك وباب، فإن لكل فريق دركا، قال الله - تعالى -:إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [النساء: 145]، وهذا كما قال:لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [الغاشية: 6]، وقال في آية أخرى:إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [الحاقة: 36]؛ فيكون الضريع الذي ذكر في باب ودرك منها، والغسلين في باب آخر، فجائز على هذا ألا يصلى ذلك الدرك إلا الأشقى. فأما يجوز أن يكون لصاحب الكبيرة درك خاص.

وأما ما ذكروا أن أصحاب الكبائر قد أوعدوا وخوفوا بمواعيد شديدة، فلسنا ننكر المواعيد لهم، وأنهم يعذبون، ولكن نقول: لا يكونون في الدركات التي فيها الكفار إن أدخلوا في النار.

وجائز - أيضا - أن يعذبوا بعذاب سوى العذاب الذي ذكر بالنار والتلظي.

وعندنا: هم في مشيئة الله - تعالى - إن شاء عذبهم وإن شاء تجاوز عنهم، وخلى عنهم سبيلهم، وأما النار التي ذكر بصفة التلظي فهي للكفار، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ }:

أخبر أنه يجنب النار عن الأتقى ويقيه عنها.

ثم فيه دلالة أنه إنما يجنبها ويقيها بالأعمال التي يعملها؛ فدل أن لله - تعالى - في أفعالهم صنعا، حيث أضاف الوقاية إليه والتجنب عنها، وهو كقوله:

PreviousNext
1 3