الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً }

وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ احْجِبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ). وعن عامرُ رضي الله عنه قال: (مَرَّ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى نِسَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُنَّ: احْتَجِبْنَ؛ فَإنَّ لَكُنَّ عَلَى النِّسَاءِ فَضْلاً كَمَا أنَّ لِزَوْجِكُنَّ عَلَى الرِّجَالِ فَضْلاً. فَلَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ يَسِيراً حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب).

وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: (أمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب نِسَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الْحِجَابُ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: يَا ابْنَ الْخَطَّاب إنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا؟!). وقال أنس: " كُنْتُ أدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بغَيْرِ إذْنٍ، فَجئْتُ يَوْماً لأَدْخُلَ فَقَالَ: " مَكَانَكَ يَا بُنَيَّ، قَدْ حَدَثَ بَعْدُ أنْ لاَ يُدْخَلَ عَلَيْنَا إلاَّ بإِذْنٍ " ".

وعن اسماعيل بن أبي حكيم في قوله تعالى: { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } قال: (هَذا أدَبٌ أدَّبَ اللهُ بهِ الثُّقَلاَءَ). وقالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (حسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم فقال: { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ }.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } ، أي سؤالُكم إياهن المتاعَ من وراء حجاب أطهرُ لقلوبكم وقلوبهن من الرِّيبة. وهذا الحكمُ في الحجاب وإن نزلَ في أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى عامٌّ فيه وفي غيره، ونحن مأمورون باتباعهِ والاقتداء به، إلا فيما خصَّه الله به دون أُمَّتهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } ، أي ليس لكم أنْ تُؤذوه بالدخولِ في منزله بغير إذنه، ولا بالحديثِ مع أزواجه ولا بشيءٍ من الأشياء، ولا يحلُّ لكم ذلك.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } ، نزلَ في طلحةَ بن عُبيد الله، قال: (يَنهانا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أن ندخُلَ على بناتِ أعمامنا - يعني عائشةَ وهما من بني تَيْم بن مُرَّة - فلأَنْ ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا حيٌّ لأتزوجنَّ عائشةَ). فحرَّمَ اللهُ أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم على عامَّة الناس، وجعلهنَّ كأُمَّهاتهم في الإكرامِ والتحريم. وقولهُ تعالى: { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } ، أي إنَّ الذي قُلتم وتمنَّيتم من تزويج أزواجهِ بعد موته كان عندَ الله عظيماً في الوِزْر والعقوبةِ.


PreviousNext
1