الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

وقرىء: يحرّفون الكلم بكسر الكاف وسكون اللام، جمع كلمة تخفيف كلمة. وقرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام، وجاء هنا عن مواضعه. وفي المائدة جاء:عَن مواضعه } [المائدة: 13] وجاءمن بعد مواضعه } [المائدة: 41].

قال الزمخشري: أما عن مواضعه فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه. وأما من بعد مواضعه: فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره، والمعنيان متقاربان انتهى. والذي يظهر أنهما سياقان، فحيث وصفوا بشدة التمرد والطغيان، وإظهار العداوة، واشترائهم الضلالة، ونقض الميثاق، جاء يحرفون الكلم عن مواضعه. ألا ترى إلى قوله: { ويقولون سمعنا وعصينا } وقوله:فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه } [المائدة: 13] فكأنهم لم يتركوا الكلم من التحريف عن ما يراد بها، ولم تستقر في مواضعها، فيكون التحريف بعد استقرارها، بل بادروا إلى تحريفها بأول وهلة. وحيث وصفوا ببعض لين وترديد وتحكيم للرسول في بعض الأمر، جاء من بعد مواضعه. ألا ترى إلى قوله:يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا } [المائدة: 41] وقوله بعد:فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } [المائدة: 42] فكأنهم لم يبادروا بالتحريف، بل عرض لهم التحريف بعد استقرار الكلم في مواضعها. وقد يقال: أنهما شيئان، لكنه حذف هنا. وفي أول المائدة: من بعد مواضعه، لأن قوله: عن مواضعه يدل على استقرار مواضع له، وحذف في ثاني المائدة عن مواضعه. لأن التحريف من بعد مواضعه يدل على أنه تحريف عن مواضعه، فالأصل يحرفون الكلم من بعد مواضعه. فحذف هنا البعدية، وهناك حذف عنها. كل ذلك توسع في العبارة، وكانت البداءة هنا بقوله: عن مواضعه، لأنه أخضر. وفيه تنصيص باللفظ على عن، وعلى المواضع، وإشارة إلى البعدية.

{ ويقولون سمعنا وعصينا } أي: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، أو سمعناه جهراً، وعصيناه سراً قولان. والظاهر أنهم شافهوا بالجملتين النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة منهم في عتوهم في الكفر، وجرياً على عادتهم مع الأنبياء. ألا ترى إلى قوله:خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا } [البقرة: 93].

{ واسمع غير مسمع } هذا الكلام غير موجه، ويحتمل وجوهاً. والظاهر أنهم أرادوا به الوجه المكروه لسياق ما قبله من قوله: سمعنا وعصينا، فيكون معناه: اسمع لا سمعت. دعوا عليه بالموت أو بالصمم، وأرادوا ذلك في الباطن، وأرادوا في الظاهر تعظيمه بذلك. إذ يحتمل أن يكون المعنى: واسمع غير مأمور وغير صالح أن تسمع مأموراً بذلك. وقال الزمخشري: أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه ومعناه: غير مسمع جواباً يوافقك، فكأنك لم تسمع شيئاً انتهى، وقاله ابن عباس. قال الزمخشري: أو اسمع غير مسمع كلاماً ترضاه، فسمعك عنه ناب.

PreviousNext
1 2 3 5 6 7