الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

واختلفوا في الروح الذي وقع السؤال عنه، فرُوي عن ابن عباس: أنه جبريل، وهو قول الحسن وقتادة. ورُوي عن علي أنه قال: هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، يسبِّح الله تعالى بكلها. وقال مجاهد: خَلْقٌ على صُوَرِ بني آدم، لهم أيدٍ وأرجل ورؤوس، وليسوا بملائكة، ولا ناس، يأكلون الطعام. وقال سعيد بن جبير: لم يخلق الله تعالى خلقاً أعظم من الروح غير العرش، لو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل، صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عزّ وجلّ اليوم عند الحجب السبعين، وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد، ولولا أن بينه وبين الملائكة ستراً من نور لاحترق أهل السموات من نوره. وقيل: الروح هو القرآن. وقيل: المراد منه عيسى عليه السلام، فإنه روح الله وكلمته، ومعناه: أنه ليس كما يقول اليهود ولا كما يقوله النصارى. وقال قوم: هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإِنسان، وهو الأصح. وتكلم فيه قوم فقال بعضهم: هو الدم، ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم؟ وقال قوم: هو نَفَسُ الحيوان، بدليل أنه يموت باحتباس النفس. وقال قوم: هو عَرَض. وقال قوم: هو جسم لطيف. وقال بعضهم: الروح معنًى اجتمع فيه النور والطيب والعلوُّ والبقاء، ألا ترى أنه إذا كان موجوداً يكون الإِنسان موصوفاً بجميع هذه الصفات، فإذا خرج ذهب الكل؟ وأولى الأقاويل: أن يوكل علمه إلى الله عزّ وجلّ، وهو قول أهل السنة. قال عبدالله بن بريدة: إن الله لم يُطْلِعْ على الروح مَلَكاً مقرَّباً، ولا نبياً مرسلاً. وقوله عزّ وجلّ: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } قيل: من علم ربي. { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي: في جنب علم الله. قيل: هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل: خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الروح، ولكن لم يخبر به أحداً لأن ترك إخباره به كان عَلَماً لنبوته. والأول أصح لأن الله عزّ وجلّ استأثر بعلمه.

PreviousNext
1