الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

" إِذْ " متعلق بمحذوف تقديره واذكر إذ قلنا. وقال أبو عبيدة " إذ " زائدة، وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في الملائكة، وآدم. السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع. وغايته وضع الوجه على الأرض. قال ابن فارس سجد إذا تطامن، وكل ما سجد، فقد ذلّ، والإسجاد إدامة النظر. وقال أبو عمر وسجد إذا طأطأ رأسه. وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث أسجد الله له ملائكته. وقيل إن السجود كان لله ولم يكن لآدم، وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود، ولا ملجىء لهذا، فإن السجود للبشر قد يكون جائزاً في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح. وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم، وكذلك الآية الأخرى أعني قولهفَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } الحجر 29 وقال تعالىوَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا } يوسف 100 فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك في سائر الشرائع. ومعنى السجود هنا هو وضع الجبهة على الأرض، وإليه ذهب الجمهور. وقال قوم هو مجرد التذلل، والانقياد. وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره. وظاهر السياق أنه وقع التعليم، وتعقبه الأمر بالسجود، وتعقبه إسكانه الجنة، ثم إخراجه منها، وإسكانه الأرض. وقوله { إِلاَّ إِبْلِيسَ } استثناء متصل لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور. وقال شهر بن حوشب، وبعض الأصوليين كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ الذين كانوا في الأرض. فيكون الاستثناء على هذا منقطعاً. واستدلوا على هذا بقوله تعالىلا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6 وبقوله تعالىإِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ } الكهف 50 والجنّ غير الملائكة، وأجاب الأوّلون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة، لما سبق في علم الله من شقائه عدلاً منهلا يُسْـألُ * عَمَّا يَفْعَلُ } الأنبياء 23 وليس في خلقه من نار ولا تركيب الشهوة فيه حين غضب عليه ما يدفع بأنه من الملائكة وأيضاً على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستثناء متصلاً، تغليباً للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم. ومعنى { أَبَىٰ } امتنع من فعل ما أمر به. والاستكبار الاستعظام للنفس، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم " أن الكبر بطَرَ الحق، وغمط الناس " وفي رواية «غمص» بالصاد المهملة { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي من جنسهم. قيل إن { كان } هنا بمعنى صار. وقال ابن فورك إنه خطأ ترده الأصول. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانت السجدة لآدم، والطاعة لله.

السابقالتالي
2