الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

وقراءة الجماعة بالتشديد، أي تنبهها إذا غفلت، ونسيت، وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء، أي فليشهد رجل، وتشهد امرأتان عوضاً، عن الرجل الآخر لأجل تذكير إحداهما للأخرى إذا ضلت، وعلى هذا، فيكون في الكلام حذف، وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضاً عن الرجل الواحد، فقيل وجهه أن تضلّ إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى، والعلة في الحقيقة هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سبباً له نزل منزلته، وأبهم الفاعل في تضلّ، وتذكر، لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان فالمعنى إن ضلت هذه ذكرتها هذه، وإن ضلت هذه ذكرتها هذه لا على التعيين، أي إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها المرأة الأخرى، وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال. وقد يكون الوجه في الإبهام أن ذلك يعني الضلال، والتذكير يقع بينهما متناوباً حتى ربما ضلت هذه عن وجه وضلت تلك عن وجه آخر، فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها. وقال سفيان بن عيينة معنى قوله { فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأخْرَىٰ } تصيرها ذكراً، يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد. وروى نحوه عن أبي عمرو بن العلاء، ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع، ولا لغة، ولا عقل. قوله { وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } أي لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل، وقيل إذا ما دعوا لتحمل الشهادة، وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم، وحملها الحسن على المعنيين. وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام. قوله { ولا تسأموا أن تكتبوه } معنى تسأموا تملوا. قال الأخفش يقال سئمت أسأم سآمة، وسآما، ومنه قول الشاعر
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحياةِ وَمَنْ يَعِشْ ثَمانِين حَوْلاً لاَ أبا لك يَسأَمِ   
أي لا تملوا أن تكتبوه، أي الدين الذي تداينتم به، وقيل الحق، وقيل الشاهد، وقيل الكتاب، نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملُّوا من كثرة المداينة أن يكتبوا، ثم بالغ في ذلك، فقال { صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا } أي حال كون ذلك المكتوب صغيراً، أو كبيراً أي لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيراً، أو قليلاً. وقيل إنه كنى بالسآمة عن الكسل. والأول أولى. وقدّم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال إن هذا مال صغير، أي قليل لا احتياج إلى كتبه، والإشارة في قوله { ذٰلِكُمْ } إلى المكتوب المذكور في ضمير قوله { أَن تَكْتُبُوهُ } و { أقسط } معناه أعدل، أي أصح، وأحفظ { وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ } أي أعون على إقامة الشهادة، وأثبت لها، وهو مبني من أقام، وكذلك أقسط مبني من فعله، أي أقسط. وقد صرح سيبويه بأنه قياسي، أي بني أفعل التفضيل. ومعنى قوله { وَأَدْنَى أَن لا تَرْتَابُواْ } أقرب لنفي الريب في معاملاتكم، أي الشك، ذلك أن الكتاب الذي يكتبونه يدفع ما يعرض لهم من الريب كائناً ما كان.

PreviousNext
1 2 3 5 6 7 8