الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك، لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جداً، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث؟ وهل هذا إلا كما قال القائل
أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قدْرُهُ إذا قيلَ إنَّ السيفَ أَمْضى منَ العَصا   
وقال آخر
إذا أَنْتَ فَضَّلْتَ امْرَأً ذا بَراعَةٍ على ناقِصٍ كان المديحُ منَ النَّقْصِ   
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية، والسورة مكية، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة، فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا مسلم، يعني ابن خالد، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال فعجب المسلمون من ذلك، قال فأنزل الله عز وجل { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر. وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام بن مسلم عن المثنى بن الصباح، عن مجاهد قال كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل. وقال ابن أبي حاتم أخبرنا يونس أخبرنا ابن وهب، حدثني مسلمة بن علي عن علي بن عروة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاماً، لم يعصوه طرفة عين، فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، قال فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فأتاه جبريل فقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين؟ فقد أنزل الله خيراً من ذلك، فقرأ عليه { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك، قال فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.

PreviousNext
1 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد