الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

يقول تعالى إذا خفت من قوم خيانة، فانبذ إليهم عهدهم على سواء، فإن استمروا على حربك ومنابذتك، فقاتلهم { وَإِن جَنَحُواْ } أي مالوا { لِلسَّلْمِ } أي المسالمة والمصالحة والمهادنة، { فَٱجْنَحْ لَهَا } أي فمل إليها، واقبل منهم ذلك، ولهذا لما طلب المشركون، عام الحديبية الصلح، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر. وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثني فضيل بن سليمان، يعني النميري، حدثنا محمد بن أبي يحيى، عن إياس بن عمرو الأسلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن يكون السلم، فافعل " وقال مجاهد نزلت في بني قريظة، وهذا فيه نظر لأن السياق كله في وقعة بدر، وذكرها مكتنف لهذا كله. وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } الآية، وفيه نظر أيضاً لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً، فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، والله أعلم. وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي صالحهم، وتوكل على الله، فإن الله كافيك وناصرك، ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا، { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } أي كافيك وحده. ثم ذكر نعمته عليه مما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار، فقال { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك، { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، بين الأوس والخزرج، وأمور يلزم منها التسلسل في الشر، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان كما قال تعالىوَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران 103. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار، في شأن غنائم حنين، قال لهم " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً، فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ " كلما قال شيئاً، قالوا الله ورسوله أمنّ، ولهذا قال تعالى { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي عزيز الجناب، فلا يخيب رجاء من توكل عليه، حكيم في أفعاله وأحكامه.

السابقالتالي
2