الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

يقول تعالى { كَذَّبَتْ } قبل قومك يا محمد { قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } أي صرحوا له بالتكذيب، واتهموه بالجنون { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } قال مجاهد وازدجر، أي استطير جنوناً، وقيل وازدجر، أي انتهروه وزجروه، وتواعدوه لئن لم تنته يا نوح، لتكونن من المرجومين، قاله ابن زيد، وهذا متوجه حسن { فَدَعَا رَبَّهُ أَنُّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم، فانتصر أنت لدينك. قال الله تعالى { فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } قال السدي وهو الكثير { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } أي نبعت جميع أرجاء الأرض، حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً، { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } أي من السماء والأرض { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي أمر مقدر. قال ابن جريج عن ابن عباس { فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } كثير، لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب، فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان على أمر قد قدر. وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل علياً عن المجرة، فقال هي شرج السماء، ومنها فتحت السماء بماء منهمر { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍ وَدُسُرٍ } قال ابن عباس وسعيد بن جبير والقرظي وقتادة وابن زيد هي المسامير، واختاره ابن جرير، قال وواحدها دسار. ويقال دسير كما يقال حبيك، وحباك، والجمع حبك، وقال مجاهد الدسر أضلاع السفينة. وقال عكرمة والحسن هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحاك طرفاها وأصلها، وقال العوفي عن ابن عباس هو كلكلها، أي صدرها. وقوله { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا { جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } أي جزاء لهم على كفرهم بالله، وانتصاراً لنوح عليه السلام. وقوله تعالى { وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً } قال قتادة أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة، والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن كقوله تعالىوَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } يس 41 ــــ 42 وقال تعالىإِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } الحاقة 11 ــــ 12 ولهذا قال ههنا { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }؟ أي فهل من يتذكر ويتعظ؟ قال الإمام أحمد حدثنا حجاج، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } وهكذا رواه البخاري حدثنا يحيى، حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } وروى البخاري أيضاً من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }.

السابقالتالي
2