الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

" إصلاح ذات البين " ، قال " وفساد ذات البين هي الحالقة " ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية، وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، حدثنا أبي عن حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب " ألا أدلك على تجارة؟ " قال بلى يا رسول الله. قال " تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا " ثم قال البزار وعبد الرحمن بن عبد الله العمري لين، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، ولهذا قال { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَآءَ مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ } أي مخلصاً في ذلك، محتسباً ثواب ذلك عند الله عز وجل، { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً جزيلاً كثيراً واسعاً. وقوله { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عمد منه، بعد ما ظهر له الحق، وتبين له، واتضح له. وقوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفاً لهم، وتعظيماً لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكرنا منها طرفاً صالحاً في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته، هذه الآية الكريمة، بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك، فاستبعد الدلالة منها على ذلك، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره، ونزينها له استدراجاً له، كما قال تعالىفَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } القلم 44، وقال تعالىفَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5، وقولهوَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } الأنعام 110 وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى، لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالىٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَٰجَهُمْ } الصافات 22 الآية، وقال تعالىوَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } الكهف 53.

PreviousNext
1