الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قرآ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي رضي الله عنه، حكاه البغوي وغيره، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعلمكم، فإِذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه " وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة. وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث ابن عجلان، والوجه الثاني أنه لا يقال ذلك، واحتجوا بقوله تعالىمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ } الأحزاب 40. وقوله تعالى { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في حكم الله { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ } أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار، وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم، كما قال ابن عباس وغيره كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال سعيد بن جبير وغيره من السلف والخلف. وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثاً عن الزبير بن العوام فقال حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي من ساكني بغداد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وذلك أنا ــــ معشر قريش ــــ لما قدمنا المدينة، قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فواخيناهم وأورثناهم، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد، وآخى عمر رضي الله عنه فلاناً، وآخى عثمان رضي الله عنه رجلاً من بني زريق بن سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره، قال الزبير رضي الله عنه وواخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته، فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى، والله يابني لو مات يومئذ عن الدنيا، ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إِلى مواريثنا. وقوله تعالى { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } أي ذهب الميراث، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية. وقوله تعالى { كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا } أي هذا الحكم، وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول الذي لا يبدل ولا يغير، قاله مجاهد وغير واحد، وإِن كان تعالى قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وهو يعلم أنه سينسخه إِلى ماهو جار في قدره الأزلي وقضائه القدري الشرعي، والله أعلم.

PreviousNext
1