الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته. وقد تعرض القاضي عياض رحمه الله في كتاب الشفاء لهذا، وأجاب بما حاصله أنها كذلك لثبوتها. وقوله { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِىۤ أُمْنِيَّتِهِ } هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، أي لا يهيدنك ذلك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء. قال البخاري قال ابن عباس { فِىۤ أُمْنِيَّتِهِ } إذا حدث، ألقى الشيطان في حديثه، فيبطل الله ما يلقي الشيطان، { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِ }. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِىۤ أُمْنِيَّتِهِ } يقول إذا حدث، ألقى الشيطان في حديثه. وقال مجاهد { إِذَا تَمَنَّىٰ } يعني إذا قال، ويقال أمنيته قراءتهإِلاَّ أَمَانِىَّ } البقرة 78 يقرؤون ولا يكتبون. قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا معنى قوله { تَمَنَّىٰ } أي تلا وقرأ كتاب الله { أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِىۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي في تلاوته، قال الشاعر في عثمان حين قتل
تَمَنَّى كتابَ اللّهِ أولَ ليلةٍ وآخرَها لاقى حِمامَ المَقادرِ   
وقال الضحاك { إِذَا تَمَنَّىٰ } إذا تلا. قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام. وقوله { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ } حقيقة النسخ لغة الإزالة والرفع، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان. وقال الضحاك نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته. وقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } أي بما يكون من الأمور والحوادث، لا تخفى عليه خافية { حَكِيمٌ } أي في تقديره وخلقه وأمره، له الحكمة التامة والحجة البالغة، ولهذا قال { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك وشرك وكفر ونفاق كالمشركين حين فرحوا بذلك، واعتقدوا أنه صحيح من عند الله، وإنما كان من الشيطان. قال ابن جريج { ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } هم المنافقون، { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } هم المشركون. وقال مقاتل بن حيان هم اليهود، { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي في ضلال ومخالفة وعناد بعيد، أي من الحق والصواب، { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي وليعلم الذين أوتوا العلم النافع، الذي يفرقون به بين الحق والباطل، والمؤمنون بالله ورسوله، أن ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك الذي أنزله بعلمه وحفظه، وحرسه أن يختلط به غيره، بل هو كتاب حكيملاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت 42. وقوله { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي يصدقوه وينقادوا له، { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تخضع وتذل له قلوبهم، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم الصراط المستقيم الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات.

PreviousNext
1 2