الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي حَرَّقوهم بالنار. والعرب تقول: فَتن فلانٌ الدرهمَ والدينارَ، إذا أدخله الكور، لينظر جودته. ودينار مفتون. ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان، وورِق فتين، أي فضة محترقة. ويقال للحَرّة فتين، أي كأنها أحرقت حجارتها بالنار، وذلك لسوادها. { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام. { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } لكفرهم. { وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار. وقد تقدم عن ابن عباس. وقيل: «ولهم عذاب الحريق» أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين. وقيل: لهم عذاب، وعذاب جهنم الحريق. والحريق: ٱسم من أسماء جهنم كالسَّعير. والنار دركات وأنواع ولها أسماء. وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم، ثم يعذّبون بعذاب الحريق. فالأول عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرها { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله أي صدقوا به وبرسله. { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي } أي بساتين. { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفَّى. { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } أي العظيم، الذي لا فوز يشبهه.