الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }

قوله تعالى: { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ } يعني حفصة وعائشة، حَثَّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } أي زاغت ومالت عن الحق. وهو أنهما أَحَبَّتَا ما كَرِه النبيّ صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل، وكان عليه السلام يحبّ العسل والنساء. قال ابن زيد: مالت قلوبهما بأن سَرّهما أن يحتبس عن أم ولده، فسرّهما ما كَرِهه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: فقد مالت قلوبكما إلى التوبة. وقال: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } ولم يقل: فقد صغى قلباكما، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشّيئين من اثنين جمعوهما، لأنه لا يُشْكل. وقد مضى هذا المعنى في «المائدة» في قوله تعالى:فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة:38]. وقيل: كلما ثبتت الإضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به، لأنه أمكن وأخف. وليس قوله: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } جزاء للشرط، لأن هذا الصَّغْو كان سابقاً، فجواب الشرط محذوف للعلم به. أي إن تتوبا كان خيراً لكما، إذ قد صغت قلوبكما. قوله تعالى: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي تتظاهرا وتتعاونا على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمعصية والإيذاء. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: مكثتُ سنةً وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبةً له، حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عَدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين، مَن اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال فقلت له: والله إنْ كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبةً لك. قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسَلْني عنه، فإن كنتُ أعلمه أخبرتك... وذكر الحديث. { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ } أي وَلِيّه وناصره، فلا يضرّه ذلك التظاهر منهما. { وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال عكرمة وسعيد بن جُبير: أبو بكر وعمر، لأنهما أبوا عائشة وحفصة، وقد كانا عوناً له عليهما. وقيل: صالح المؤمنين عليّ رضي الله عنه. وقيل: خيار المؤمنين. وصالح: اسم جنس كقوله تعالى: { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، قاله الطَّبَرِي. وقيل: { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } هم الأنبياء، قاله العَلاَء بن زيادة وقتادة وسفيان. وقال ابن زيد: هم الملائكة. السدّي: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } ليس لفظ الواحد وإنما هو صالحو المؤمنين: فأضاف الصالحين إلى المؤمنين، وكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه. كما جاءت أشياء في المصحف متنوّع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط.

السابقالتالي
2 3 4