الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

وقال نَوْف الشاميّ: { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المسلم { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } اليهوديّ والنصرانيّ. قلت: وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً، وهو الصحيح. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حُسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه. روى البخاريّ عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه " وروي عن أبي شُريح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن» قيل: يا رسول الله ومَنْ؟ قال: «الذي لا يأمن جارهُ بوائقَه» " وهذا عام في كل جارٍ. وقد أكّد عليه السلام ترك إذايته بقَسَمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره. فينبغي للمؤمن أن يحذر أذَى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضَّا العباد عليه. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجيران ثلاثة فجارٌ له ثلاثة حقوق وجارٌ له حقان وجارٌ له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حقُّ الجوار وحقُّ القرابة وحقُّ الإسلام والجار الذي له حقّان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحقّ الجوار والجار الذي له حقّ واحد هو الكافر له حقّ الجوار ". الخامسة ـ روى البخاري " عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارَين فإلى أيِّهما أُهْدِي، قال: «إلى أقربهما منكِ بابا» " فذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا الحديث يفسّر المراد من قوله تعالى: { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } وأنه القريبُ المسكَنِ منك. { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } هو البعيد المسكن منك. واحتجّوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار، وعَضَدُوه بقوله عليه السلام: " الجار أحقّ بصَقَبه " ولا حجة في ذلك، فإن عائشة رضي الله عنها إنما سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عمّن تبدأ به من جيرانها في الهدية فأخبرها أن مَن قَرُب بابه فإنه أولى بها من غيره. قال ابن المُنْذِر: فدلّ هذا الحديثُ على أن الجار يقع على غير اللَّصِيق. وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا الحديث فقال: إن الجار اللَّصيق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس له جدار إلى الدار ولا طريقٌ لا شفعة فيه له. وعَوَام العلماء يقولون: إذا أوصى الرجل لجيرانه أعطى اللَّصِيق وغيره إلا أبا حنيفة فإنه فارق عوام العلماء وقال: لا يُعطَى إلا اللَّصيق وحده. السادسة ـ وٱختلف الناس في حدّ الجِيرة فكان الأُوزاعيّ يقول: أربعون داراً من كل ناحية وقاله ٱبن شهاب. ورُوي " أن رَجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني نزلت مَحَلّة قوم وإن أقربهم إليّ جُوَاراً أشدّهم لي أذًى فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليّاً يصيحون على أبواب المساجد: ألاَ إنّ أربعين داراً جارٌ ولا يدخل الجنة من لا يأمن جارهُ بوائقه "

PreviousNext
1 2 3 5 6 7 8 9 10