الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

هُمُ القائلونَ الخيرَ والآمِرونَهُ   إذا ما خَشَوا مِن مُحْدَثِ الأمرِ مُعْظَما
وأنشد الفراء: والفاعلونه. وأنشد سيبويه وحده:
ولم يَرْتفِق والناس محتضِرونه   
وهذا شاذٌ خارج عن كلام العرب، وما كان مثل هذا لم يحتجّ به في كتاب الله عز وجل، ولا يدخل في الفصيح. وقد قيل في توجيهه: إنه أجرى ٱسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه، فجرى «مُطْلِعُون» مجرى يطلعون. ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد:
أرأيتَ إن جئتُ به أمْلُودَا   مُرَجَّلاً ويَلْبَسُ الْبُرُودَا
أقائِلُـنَّ أحضِـروا الشُّهُـودَا   
فأجرى أقائلُنّ مجرى أتَقولُن. وقال ابن عباس في قوله تعالى: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ } إنّ في الجنة كُوًى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلِها. وكذلك قال كعب فيما ذكر ٱبن المبارك، قال: إن بين الجنة والنار كُوًى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا ٱطلع من بعض الكوى قال الله تعالى: { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي في وسط النار والحسَكُ حواليه قاله ٱبن مسعود. ويقال: تعبت حتى ٱنقطع سَوَائي: أي وسطي. وعن أبي عبيدة: قال لي عيسى بن عمر: كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سَوَائي. وعن قتادة قال قال بعض العلماء: لولا أن الله جل وعز عرَّفه إياه لما عرفه، لقد تغيرّ حِبْرُهُ وسِبْرُهُ. فعند ذلك يقول: { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } «إِن» مخففة من الثقيلة دخلت على كاد كما تدخل على كان. ونحوه «إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا» واللام هي الفارقة بينها وبين النافية. { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } في النار. وقال الكسائي: «لَتُرْدِينِ» أي لتهلكني، والردى الهلاك. وقال المبرد: لو قيل «لتردِينِ» لتوقعني في النار لكان جائزاً. «وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبيِّ» أي عصمته وتوفيقه بالاستمساك بعروة الإسلام والبراءة من القرين السوء. وما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف. «لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» قال الفراء: أي لكنت معك في النار محضراً. وأحضر لا يستعمل مطلقاً إلا في الشر قاله الماوردي. قوله تعالى: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } وقرىء «بِمائِتِين» والهمزة في «أَفَمَا» للاستفهام دخلت على فاء العطف، والمعطوف محذوف معناه أنحن مخلَّدون منعَّمون فما نحن بميتين ولا معذبين. { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } يكون ٱستثناء ليس من الأول ويكون مصدراً لأنه منعوت. وهو من قول أهل الجنة للملائكة حين يُذبَح الموت، ويقال: يأهل الجنة خلود ولا موت، ويأهل النار خلود ولا موت. وقيل: هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة الله في أنهم لا يموتون ولا يعذّبون أي هذه حالنا وصفتنا. وقيل: هو من قول المؤمن توبيخاً للكافر لما كان ينكره من البعث، وأنه ليس إلا الموت في الدنيا.

PreviousNext
1 3