الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

" أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه " أخرجه ٱبن ماجه في سُننه. الثالثة: اعلم وفّقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر، ولهذا ذمّ الله تعالى في كتابه قوماً كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها وبخهم به توبيخاً يُتْلَى على طول الدهر إلى يوم القيامة فقال: { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } الآية. وقال منصور الفقيه فأحسن:
إن قوماً يأمرونا   بالذي لا يفعلونا
لمجانين وإن هم   لم يكونوا يصرعونا
وقال أبو العتاهية:
وصفتَ التُّقَى حتى كأنك ذو تُقًى   وريحُ الخطايا من ثيابك تسطع
وقال أبو الأسْود الدُّؤَليّ:
لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه   عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
وٱبدأ بنفسك فٱنهها عن غيّها   فإن ٱنتهتْ عنه فأنت حكيمُ
فهناك يُقبَل إن وَعظتَ ويُقتَدى   بالقول منك وينفع التعليمُ
وقال أبو عمرو بن مطر: حضرت مجلس أبي عثمان الحِيري الزاهد فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس: ترى أن تقول في سكوتك شيئاً؟ فأنشأ يقول:
وغير تَقِيٍّ يأمر الناس بالتُّقَى   طبيبٌ يداوي وَالطبيبُ مريضُ
قال: فٱرتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج. الرابعة: قال إبراهيم النَّخَعِيّ: إني لأكره القَصص لثلاث آيات، قوله تعالى: { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } الآية، وقولِه:لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2]، وقولِه:وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } [هود: 88]. وقال سَلْم بن عمرو:
ما أقبحَ التّزهيدَ من واعظٍ   يُزَهِّد الناسَ ولا يَزْهَدُ
لو كان في تزهيده صادقاً   أَضحى وأمسى بيتُه المسجدُ
إنْ رفض الدنيا فما بالُه   يَستمنح الناس ويسترفدُ
والرزق مقسومٌ على من تَرى   ينالُه الأبيضُ والأسودُ
وقال الحسن لمطرِّف بن عبد اللَّه: عِظ أصحابك فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل قال: يرحمك الله! وأيّنا يفعل ما يقول! ويودّ الشيطان أنه قد ظَفِر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر. وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جُبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نَهَى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء!. الخامسة: قوله تعالى: { بِٱلْبِرِّ } البِرّ هنا الطاعة والعمل الصالح. والبِرّ: الصدق. والبِرّ: ولد الثعلب. والبِرّ: سَوق الغنم ومنه قولهم: «لا يعرف هِرًّا من بِر» أي لا يعرف دعاء الغنم من سَوقها. فهو مشترك وقال الشاعر:

PreviousNext
1 3 4