الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

الخامسة: قوله: { إِلاَّ إِبْلِيسَ } نصب على الاستثناء المتصل لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور: ٱبن عباس وٱبن مسعود وٱبن جُريج وٱبن المسيّب وقَتادة وغيرهم وهو ٱختيار الشيخ أبي الحسن، ورجّحه الطبري وهو ظاهر الآية. قال ٱبن عباس: وكان ٱسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أُبْلِس بعد. روى سِمَاك بن حرب عن عكرمة عن ٱبن عباس قال: كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطاناً. وحكى الماوَرْدِيّ عن قتادة: أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجِنة. وقال سعيد بن جُبير: إن الجنّ سِبْط من الملائكة خُلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور. وقال ٱبن زيد والحسن وقتادة أيضاً: إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن مَلَكا وروي نحوه عن ٱبن عباس وقال: ٱسمه الحارث. وقال شَهْر بن حَوْشَب وبعض الأصوليين: كان من الجنّ الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبَوْه صغيراً وتعبّد مع الملائكة وخُوطب وحكاه الطبري عن ٱبن مسعود. والاستثناء على هذا منقطع، مثل قوله تعالى:مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } [النساء: 157]، وقوله:إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة: 3] في أحد القولين وقال الشاعر:
ليس عليك عطشٌ ولا جوعْ   إلا الرّقادَ والرقادُ ممنوعْ
وٱحتّج بعض أصحاب هذا القول بأن الله جلّ وعزّ وصف الملائكة فقال:لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 66]، وقوله تعالى:إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [الكهف: 50] والجنّ غير الملائكة. أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه عدلاً منه، لا يُسْأَل عما يَفعل، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة. وقول من قال: إنه كان من جنّ الأرض فسُبِيَ، فقد رُوي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجنّ في الأرض مع جُند من الملائِكة حكاه المهدَوِيّ وغيره. وحكي الثّعلبي عن ٱبن عباس: أن إبليس كان من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجنّ خُلقوا من نار السموم، وخُلقت الملائكة من نور، وكان ٱسمه بالسريانية عزازيل، وبالعربية الحارث، وكان من خُزّان الجنة وكان رئيسَ ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض، وكان من أشدّ الملائكة ٱجتهاداً وأكثرهم علماً، وكان يسوس ما بين السماء والأرض فرأى لنفسه بذلك شرفاً وعظمة، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطاناً رجيماً.

PreviousNext
1 2 4 5 6