الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

وهذه الآية تضمنت التوحيد والصفات العُلا، وهي خمسون كلمة، وفي كل كلمة خمسون بركة، وهي تعدل ثلث القرآن، ورَدَ بذلك الحديث، ذكره ابن عطِية. و «اللَّهُ» مبتدأ، و «لاَ إلۤهَ» مبتدأ ثان وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود. و «إلاَّ هُوَ» بدل من موضع لا إلۤه. وقيل: «اللَّهُ لاَ إلۤهَ إلاَّ هُوَ» ابتداء وخبر، وهو مرفوع محمول على المعنى، أي ما إلۤه إلا هو، ويجوز في غير القرآن لا إلۤه إلا إياه، نصب على الاستثناء. " قال أبو ذرّ في حديثه الطويل: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي آية أنزل الله عليك من القرآن أعظم؟ فقال: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } " وقال ابن عباس: أشرف آية في القرآن آية الكرسي. قال بعض العلماء: لأنه يكرر فيها اسم الله تعالى بين مضمر وظاهر ثمان عشرة مرّة. { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } نعت لله عز وجل، وإن شئت كان بدلاً من «هو»، وإن شئت كان خبراً بعد خبر، وإن شئت على إضمار مبتدأ. ويجوز في غير القرآن النصب على المدح. و «الحيّ» اسم من أسمائه الحسنى يسمى به، ويقال: إنه اسم الله تعالى الأعظم. ويقال: إن عيسى ٱبن مريم عليه السلام كان إذا أراد أن يحيي الموتي يدعو بهذا الدعاء: يا حيّ يا قيوم. ويقال: إن آصف بن بَرْخِيَا لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حيّ يا قيوم. ويقال: إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم: أياهيا شراهيا، يعني يا حيّ يا قيوم. ويقال: هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يدعون به. قال الطبريّ عن قوم: إنه يقال حيّ قيوم كما وصف نفسه، ويُسلّم ذلك دون أن يُنْظْر فيه. وقيل: سمى نفسه حياً لصرفه الأُمور مصاريفها وتقديره الأشياء مقاديرها. وقال قتادة: الحيّ الذي لا يموت. وقال السدي: المراد بالحيّ الباقي. قال لبيد:
فإمّا تَرِيني اليومَ أصبحتُ سالماً   فلستُ بأحْيَا من كِلابٍ وجَعْفَرِ
وقد قيل: إن هذا الإسم هو اسم الله الأعظم. { ٱلْقَيُّومُ } مِن قام أي القائم بتدبير ما خلق عن قتادة. وقال الحسن: معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها، من حيث هو عالم بها لا يخفى عليه شيء منها. وقال ٱبن عباس: معناه الذي لا يحول ولا يزول قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
لم تُخلَقِ السماءُ والنجومُ   والشمس مَعْها قَمرٌ يقومُ
قدّره مُهَيْمِن قَيّومُ   والحشْرُ والجنَّة والنّعيمُ
إلاّ لأمْـرٍ شأنُـه عظيـمُ   
قال البيهقي: ورأيت في «عيون التفسير» لإسماعيل الضرير في تفسير القَيُّوم قال: ويقال هو الذي لا ينام وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }.

PreviousNext
1 2 4 5 6 7 8 9