الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }

قوله تعالى: { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ويجوز «زينتا» وهو خبر الابتداء في التثنية والإفراد. وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالاً ونفعاً، وفي البنين قوّة ودفعاً، فصارا زينة الحياة الدنيا، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تُتبعوها نفوسكم. وهو رَدٌّ على عُيينة بن حِصْن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف، فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الريح إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعُدد الآخرة. وكان يقال: لا تعقد قلبك مع المال لأنه فَيْءٌ ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغداً مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغداً لغيرك. ويكفي في هذا قول الله تعالى:إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [التغابن: 15]. وقال تعالى:إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14]. قوله تعالى: { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } أي ما يأتي به سلْمان وصُهيب وفقراء المسلمين من الطاعات { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً } أي أفضل { وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي أفضل أملا من ذي المال والبنين دون عمل صالح، وليس في زينة الدنيا خير، ولكنه خرج مخرج قولهأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [الفرقان: 24]. وقيل: خير في التحقيق مما يظنّه الجهال أنه خير في ظنّهم. واختلف العلماء في «الباقيات الصالحات» فقال ابن عباس وابن جُبير وأبو مَيْسرة وعمرو بن شُرَحْبِيل: هي الصلوات الخمس. وعن ابن عباس أيضاً: أنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة. وقاله ابن زيد ورجّحه الطبري. وهو الصحيح إن شاء الله لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا. وقال عليّ رضي الله عنه: الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهن الله تعالى لأقوام. وقال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحانَ الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم. خرّجه مالك في موطئه عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيِّب أنه سمعه يقول في الباقيات الصالحات: إنها قول العبد الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله. أسنده النَّسائيّ عن أبي سعيد الخُدْريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استكثروا من الباقيات الصالحات قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: المسئلة: وقيل ما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوّة إلا بالله " صححه أبو محمد عبد الحق رحمه الله. وروى قتادة:

السابقالتالي
2