الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: «ومِنْ عِندِه عِلم الكِتابِ» وإن كان في الرواية ضعف، وروى ذلك سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليمانيّ أنه قرأ كذلك ـ «ومِن عِندِهِ» بكسر الميم والعين والدال «عُلم الكِتابُ» بضم العين ورفع الكتاب. وقال عبد الله بن عطاء: قلت لأبي جعفر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سَلاَم فقال: إنما ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكذلك قال محمد بن الحنفية. وقيل: جميع المؤمنين، والله أعلم. قال القاضي أبو بكر بن العربي: أما من قال إنه عليّ فعوّل على أحد وجهين: إما لأنه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعليّ بابها " وهو حديث باطل النبيّ صلى الله عليه وسلم مدينة علم وأصحابه أبوابها فمنهم الباب المنفسح، ومنهم المتوسط، على قدر منازلهم في العلوم. وأما من قال إنهم جميع المؤمنين فصدق لأن كل مؤمن يَعْلَم الكتاب، ويُدرك وجه إعجازه، ويشهد للنبيّ صلى الله عليه وسلم بصدقه. قلت: فالكتاب على هذا هو القرآن. وأما من قال هو عبد الله بن سَلاَم فعوّل على حديث الترمذيّ وليس يمتنع أن ينزل في عبد الله بن سَلاَم شيئاً ويتناول جميع المؤمنين لفظاً ويعضده من النظام أن قوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني قريشاً فالذين عندهم علم الكتاب هم المؤمنون من اليهود والنصارى، الذين هم إلى معرفة النبوّة والكتاب أقرب من عبدة الأوثان. قال النحاس: وقول من قال هو عبد الله بن سَلاَم وغيره يحتمل أيضاً لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمراً مؤكداً والله أعلم بحقيقة ذلك.

PreviousNext
1