الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } * { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } * { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي الواحد الوِتر، الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك. وأصل «أَحَدٌ»: وَحَدٌ قُلِبت الواو همزة. ومنه قول النابغة:
بذِي الجَلِيلِ عَلى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ   
وقد تقدّم في سورة «البقرة» الفرق بين واحِد وأَحَدٍ، وفي كتاب «الأَسْنَى، في شرح أسماء الله الحسنى» أيضاً مُسْتَوفًى. والحمدُ لله. و { أَحَدٌ } مرفوع، على معنى: هو أَحدٌ. وقيل: المعنى: قل: الأمرُ والشأن: اللَّهُ أَحَد. وقيل: «أَحَد» بدل من قوله: «الله». وقرأ جماعة «أَحَدُ اللَّه» بلا تنوين، طلباً للخفة، وفراراً منِ التقاء الساكنين ومنه قول الشاعر:
ولا ذاكـرَ اللَّهَ إلاّ قَـلِـيـلاَ   
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي الذي يُصْمَد إليه في الحاجات. كذا رَوَى الضحاك عن ابن عباس، قال: الذي يُصْمَد إليه في الحاجات كما قال عز وجل:ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53]. قال أهل اللغة: الصمد: السيد الذي يُصْمد إليه في النوازل والحوائج. قال:
أَلاَ بَكَّر الناعِي بِخيرِ بنِي أَسَدْ   بعمرِو بن مَسْعُودٍ بالسيدِ الصَّمَد
وقال قوم: الصَّمَدُ: الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال. وقيل: تفسيره ما بعده { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }. قال أُبَيُّ بنُ كَعْب: الصَّمَدُ: الذي لا يلِدُ ولا يُولَد لأنه ليس شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا يُورث. وقال عليّ وابن عباس أيضاً وأبو وائل شقِيق بن سلمة وسفيان: الصَّمَد: هو السيد الذي قد انتهى سُودَدُه في أنواع الشرف والسُّودَد ومنه قول الشاعر:
عَلَوتُهُ بحُسامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ   خُذْهَا حُذَيفَ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
وقال أبو هريرة: إنه المستغنِي عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد. وقال السدّيّ: إنه: المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب. وقال الحسين بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال مقاتل: إنه: الكامل الذي لا عيب فيه ومنه قول الزبرِقان:
سِيروا جميعاً بِنِصفِ الليلِ واعتمِدُوا   ولا رَهِينةَ إلاّ سَيِّدٌ صَمَدُ
وقال الحسن وعِكرمة والضحاك وابن جُبير: الصَّمَد: المُصْمَتُ الّذي لا جَوْف له قال الشاعر:
شِهابُ حُرُوبٍ لا تَزالُ جِيادُه   عَوَابِسَ يَعْلُكْن الشكِيمَ المُصَمَّدا
قلت: قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصَّمَد، في كتاب الأَسنَى وأن الصحيح منها ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأوّل، ذكره الخَطَّابي. وقد أسقط مِن هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ «اللَّهُ الواحدُ الصَّمَدُ» في الصلاة، والناس يستمعون، فأَسْقَط: «قُلْ هو»، وزعم أنه ليس من القرآن. وغيَّر لفظ «أَحَدٍ»، وادعى أن هذا هو الصواب، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال فأبطل معنى الآية لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا رَبَّك، أمِن ذهب هو أم مِن نحاس أم مِن صُفْر؟ فقال الله عز وجل رداً عليهم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ففي «هُوَ» دلالة على موضع الردّ، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5