الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: أن اتصاله بما تقدم هو أنه تعالى يقول: ألم يجدك يتيماً فقال الرسول: بلى يا رب، فيقول: انظر أ كانت طاعاتك في ذلك الوقت أكرم أم الساعة؟ فلا بد من أن يقال: بل الساعة فيقول الله: حين كنت صبياً ضعيفاً ما تركناك بل ربيناك ورقيناك إلى حيث صرت مشرفاً على شرفات العرش وقلنا لك: لولاك ما خلقنا الأفلاك، أتظن أنا بعد هذه الحالة نهجرك ونتركك. المسألة الثانية: ألم يجدك من الوجود الذي بمعنى العلم، والمنصوبان مفعولا وجد والوجود من الله، والمعنى ألم يعلمك الله يتيماً فآوى، وذكروا في تفسير اليتيم أمرين الأول: أن عبد الله بن عبد المطلب فيما ذكره أهل الأخبار توفي وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به، ثم ولد رسول الله فكان مع جده عبد المطلب ومع أمه آمنة، فهلكت أمه آمنة وهو ابن ست سنين فكان مع جده، ثم هلك جده بعد أمه بسنتين ورسول الله ابن ثمان سنين. وكان عبد المطلب يوصي أبا طالب به لأن عبد الله وأبا طالب كانا من أم واحدة، فكان أبو طالب هو الذي يكفل رسول الله بعد جده إلى أن بعثه الله للنبوة، فقام بنصرته مدة مديدة، ثم توفي أبو طالب بعد ذلك فلم يظهر على رسول الله يتم ألبتة فأذكره الله تعالى هذه النعمة، روى أنه قال أبو طالب يوماً لأخيه العباس: ألا أخبرك عن محمد بما رأيت منه؟ فقال: بلى فقال: إني ضممته إلي فكيف لا أفارقه ساعة من ليل ولا نهار ولا أأتمن عليه أحداً حتى أني كنت أنومه في فراشي، فأمرته ليلة أن يخلع ثيابه وينام معي، فرأيت الكراهة في وجهه لكنه كره أن يخالفني، وقال: يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي إذ لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي، فتعجبت من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش فلما دخلت معه الفراش إذا بيني وبينه ثوب والله ما أدخلته فراشي فإذا هو في غاية اللين وطيب الرائحة كأنه غمس في المسك، فجهدت لأنظر إلى جسده فما كنت أرى شيئاً وكثيراً ما كنت أفتقده من فراشي فإذا قمت لأطلبه ناداني ها أنا يا عم فارجع، ولقد كنت كثيراً ما أسمع منه كلاماً يعجبني وذلك عند مضي الليل وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ولا نحمده بعده، وكان يقول في أول الطعام: بسم الله الأحد. فإذا فرغ من طعامه قال: الحمدلله، فتعجبت منه، ثم لم أر منه كذبة ولا ضحكاً ولا جاهلية ولا وقف مع صبيان يلعبون. واعلم أن العجائب المروية في حقه من حديث بحيرى الراهب وغيره مشهورة.

السابقالتالي
2