الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }

قوله: { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } الآية، ذكر الله تعالى في سورة البقرة عدة ذوات الأقراء والمتوفى عنها زوجها وذكر عدة سائر النسوة اللائي لم يذكرن هناك في هذه السورة، وروي أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة التي لم تحض فنزل: { وَٱللآئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } وقوله: { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي إن أشكل عليكم حكمهن في عدة التي لا تحيض، فهذا حكمهن، وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ الإياس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } فلما نزل قوله تعالى: { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } قام رجل فقال: يا رسول الله فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فنزل: { وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } أي هي بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر، فقام آخر وقال، وما عدة الحوامل يا رسول الله؟ فنزل: { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } معناه أجلهن في انقطاع ما بينهن وبين الأزواج وضع الحمل، وهذا عام في كل حامل، وكان علي عليه السلام يعتبر أبعد الأجلين، ويقول:وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } [البقرة: 234] لا يجوز أن يدخل في قوله: { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ } وذلك لأن أولات الأحمال إنما هو في عدة الطلاق، وهي لا تنقض عدة الوفاة إذا كانت بالحيض، وعند ابن عباس عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين. وأما ابن مسعود فقال: يجوز أن يكون قوله: { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ } مبتدأ خطاب ليس بمعطوف على قوله تعالى: { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } ولما كان مبتدأ يتناول العدد كلها، ومما يدل عليه خبر سبيعة بنت الحرث أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بخمسة عشر يوماً، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج، فدل على إباحة النكاح قبل مضي أربعة أشهر وعشر، على أن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل في جميع الأحوال. وقال الحسن: إن وضعت أحد الولدين انقضت عدتها، واحتج بقوله تعالى: { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ولم يقل: أحمالهن، لكن لا يصح، وقرىء أحمالهن، وقوله: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } أي ييسر الله عليه في أمره، ويوفقه للعمل الصالح. وقال عطاء: يسهل الله عليه أمر الدنيا والآخرة، وقوله: { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } يعني الذي ذكر من الأحكام أمر الله أنزله إليكم، ومن يتق الله بطاعته، ويعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يكفر عنه سيئاته من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، ويعظم له في الآخرة أجراً، قاله ابن عباس. فإن قيل قال تعالى: { أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ولم يقل: أن يلدن، نقول: الحمل اسم لجميع ما في بطنهن، ولو كان كما قاله، لكانت عدتهن بوضع بعض حملهن، وليس كذلك.