الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً: إنها توجب المسح، وذلك لأن قوله { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } فرؤوسكم في النصب ولكنها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة. إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } هو قوله { وَٱمْسَحُواْ } ويجوز أن يكون هو قوله { فٱغْسِلُواْ } لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } هو قوله { وَٱمْسَحُواْ } فثبت أن قراءة { وَأَرْجُلَكُمْ } بنصب اللام توجب المسح أيضاً، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح، ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخير الواحد لا يجوز. واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين: الأول: أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها، والثاني: أن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح، والقوم أجابوا عنه بوجهين: الأول: أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدير فيجب المسح على ظهر القدمين، والثاني: أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين، وحينئذ لا يبقى هذا السؤال. المسألة التاسعة والثلاثون: مذهب جمهور الفقهاء أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح: إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب البقر والغنم موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم، وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله. وكان الأصمعي يختار هذا القول ويقول: الطرفان الناتئان يسميان المنجمين. هكذا رواه القفال في تفسيره. حجة الجمهور وجوه: الأول: أنه لو كان الكعب ما ذكره الإمامية لكان الحاصل في كل رجل كعباً واحداً، فكان ينبغي أن يقال: وأرجلكم إلى الكعاب، كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقاً واحداً لا جرم قال { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } والثاني: أن العظم المستدير الموضوع في المفصل شيء خفي لا يعرفه إلا المشرحون، والعظمان الناتئان في طرفي الساق محسوسان معلومان لكل أحد، ومناط التكاليف العامة يجب أن يكون أمراً ظاهراً، لا أمراً خفياً.

PreviousNext
   1011 12 13 14 15 16 17 18 19 20  مزيد