الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

وأما قوله { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ لم يأتوك } فالمعنى أنهم أعين وجواسيس لقوم آخرين لم يأتوك ولم يحضروا عندك لينقلوا إليهم أخبارك، فعلى هذا التقدير قوله { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } أي سماعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل أن يكذبوا عليه بأن يمزجوا ما سمعوا منه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، سماعون من رسول الله لأجل قوم آخرين من اليهود، وهم عيون ليبلغوهم ما سمعوا منه. ثم إنه تعالى وصف هؤلاء اليهود بصفة أخرى فقال { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } أي من بعد أن وضعه الله مواضعه، أي فرض فروضه وأحل حلاله وحرّم حرامه. قال المفسرون: إن رجلاً وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا، وكان حد الزنا في التوراة الرجم، فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما، فأرسلوا قوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن حكمه في الزانيين إذا أحصنا، وقالوا: إن أمركم بالجلد فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا، فلما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك نزل جبريل بالرجم فأبوا أن يأخذوا به، فقال له جبريل عليه السلام: اجعل بينك وبينهم «ابن صوريا» فقال الرسول: هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له: ابن صوريا؟ قالوا نعم وهو أعلم يهودي على وجه الأرض، فرضوا به حكماً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " أنشدك الله الذي لا إلۤه إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن " قال ابن صوريا: نعم، فوثبت عليه سفلة اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، ثم سأل رسول الله عن أشياء كان يعرفها من علاماته، فقال ابن صوريا: أشهد أن إلۤه إلا الله وأنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشّر به المرسلون، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزانيين فرجما عند باب مسجده. إذا عرفت القصة فنقول: قوله { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } أي وضعوا الجلد مكان الرجم. وقوله تعالى: { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } أي إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا. واعلم أن مذهب الشافعي رحمه الله أن الثيب الذمي يرجم. قال: لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر برجمه، فإن كان الأمر برجم الثيب الذمي من دين الرسول فقد ثبت المقصود، وإن كان إنما أمر بذلك بناء على ما ثبت في شريعة موسى عليه السلام وجب أن يكون ذلك مشروعاً في ديننا، ويدل عليه وجهان: الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفتى على وفق شريعة التوراة في هذه المسألة كان الإقتداء به في ذلك واجباً، لقوله

PreviousNext
1 3