الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

الوجه الثاني: في الجواب أن يفسر الهم بالشهوة، وهذا مستعمل في اللغة الشائعة. يقول القائل: فيما لا يشتهيه مايهمني هذا، وفيما يشتهيه هذا أهم الأشياء إلي، فسمى الله تعالى شهوة يوسف عليه السلام هماً، فمعنى الآية: ولقد اشتهته واشتهاها لولا أن رأى برهان ربه لدخل ذلك العمل في الوجود. الثالث: أن يفسر الهم بحديث النفس، وذلك لأن المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي فلا بد وأن يقع هناك بين الحكمة والشهوة الطبيعية وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل والحكمة. فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية، ومثال ذلك أن الرجل الصالح الصائم في الصيف الصائف، إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه، إلا أن دينه وهداه يمنعه منه، فهذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل، فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك القول شبهة لأجبنا عنها إلا أنه ما زاد على الرواية عن بعض المفسرين. واعلم أن بعض الحشوية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما كذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات " فقلت الأولى أن لا نقبل مثل هذه الأخبار فقار على طريق الاستنكار فإن لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة فقلت له: يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم عليه السلام وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون إبراهيم عليه السلام عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب. إذا عرفت هذا الأصل فنقول للواحدي: ومن الذي يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين، والله أعلم. المسألة الثانية: في أن المراد بذلك البرهان ما هو أما المحققون المثبون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه: الأول: أنه حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب والثاني: أن الله تعالى طهر نفوس الأنبياء عليهم السلام عن الأخلاق الذميمة.

PreviousNext
1 2 3 4 6 7