الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ }

يقول تعالى ذكره مُقسِماً بالليل إذا غَشَّى النهار بظلمته، فأذهب ضوءه، وجاءت ظُلمته: { واللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } النهار { والنَّهارِ إذا تَجَلَّى } وهذا أيضاً قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار، ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا. وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى } قال: آيتان عظيمتان يكوّرهما الله على الخلائق. وقوله: { وَما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى } يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله:وَالسَّماءِ وَما بَناها والأرْضِ وَما طَحاها } وهو أن يجعل «ما» بمعنى «مَنْ»، فيكون ذلك قسماً من الله جلّ ثناؤه بخالق الذّكر والأنثى، وهو ذلك الخلق، وأن تجعل «ما» مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسماً بخلقه الذكر والأنثى. وقد ذُكر عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: أنهما كانا يقرآن ذلك «وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَىَ» ويأثُرُه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الخبر بذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله: «وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهارِ إذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ والأُنْثَى». حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني المُغيرة، قال: سمعت إبراهيم يقول: أتى علقمة الشأم، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: كيف كان عبد الله يقرأ هذه الآية { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهارِ إذَا تَجَلَّى } فقلت: «وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى» قال: فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلُّونني وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا حاتم بن وَرْدان، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة قال: أتينا الشأم، فدخلت على أبي الدرداء، فسألني فقال: كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الآية: { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى } قال: قلت: «وَالذَّكَرِ والأنْثَى» قال: كفاك، سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَة وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطيّ، قال: ثنا خالد بن عبد الله عن داود، عن عامر، عن علقمة، قال: قَدِمت الشأم، فلقيت أبا الدرداء، فقال: من أين أنت؟ فقلت من أهل العراق؟ قال: من أيها؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: هل تقرؤه قراءة ابن أمّ عبد؟ قلت: نعم، قال: اقرأ { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } قال: فقرأت: «وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهارِ إذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ والأُنْثَى» قال: فضحك، ثم قال: هكذا سمعت مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8