الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيُّمَا مُسْلِم أعْتَقَ رَجُلاً مُسْلماً، فإنَّ اللّهَ جاعِلُ وَفاءَ كُلِّ عَظْيمٍ مِنْ عِظامِهِ، عَظْماً مِنْ عِظامِ مُحَرِّرهِ مِنَ النَّارِ وأيُّمَا امْرأةٍ مُسْلَمَةٍ أعْتَقَتْ امْرأةً مُسْلِمَةً، فإنَّ اللّهَ جاعِلُ وَفاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظامِها، عَظْماً مِنْ عِظامِ مُحَرِّرِها مِنَ النَّارِ " قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن قيس الجُذاميّ، عن عقبة بن عامر الجُهَنيّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ " حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ } ثم أخبر عن اقتحامها فقال: فَكَّ رَقَبَة أوْ أطْعَمَ. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة، عن ابن أبي إسحاق، ومن الكوفيين: الكسائي: «فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ». وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه بقوله: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا كأن معناه: كان عنده، فلا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم { فَكُّ رَقَبَةٍ } على الإضافة { أوْ إطْعامٌ } على وجه المصدر. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وتأويل مفهوم، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فقراءته إذا قرىء على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا، { وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ } على التعجب والتعظيم. وهذه القراءة أحسن مخرجاً في العربية، لأن الإطعام اسم، وقوله:ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } فعل، والعرب تُؤْثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها، والأفعال على الأفعال، ولو كان مجيء التَّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان، ولذلك قلت: «فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ» أوجه في العربية من الآخر، وإن كان للآخر وجه معروف، ووجهه { أنْ } تضمر أن ثم تلقى، كما قال طرفة بن العبد:
ألا أيُّهاذا الزَّاجري أحْضُرَ الْوَغَى   وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أنتَ مُخْلِدي
بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: «أن» أشهد الدلالة البينة على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدّمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: { فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ } تفسيراً لقوله: { وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ } كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فكّ رقبة { أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } كما قال جلّ ثناؤه:

PreviousNext
1 2 3 5 6 7