الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله { أمْشاجٍ نَبْتَليهِ } قال: الأمشاج: اختلط الماء والدم، ثم كان علقة، ثم كان مضغة. وقال آخرون: عُني بذلك اختلاف ألوان النطفة. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله { أمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ } يقول: مختلفة الألوان. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ألوان النطفة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أيّ الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { أمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ } قال: ألوان النطفة نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل هي العروق التي تكون في النطفة. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا المسعودي، عن عبد الله بن المخارق عن أبيه، عن عبد الله، قال: أمشاجها: عروقها. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا أُسامة بن زيد، عن أبيه، قال: هي العروق التي تكون في النطفة. وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى ذلك { مِنْ نُطْفَةٍ أمْشاجٍ } نطفة الرجل ونطفة المرأة، لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج، وهي إذا انتقلت فصارت علقة، فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة؟ وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة، وإذا كانت لوناً واحداً لم تكن ألواناً مختلفة، وأحسب أن الذين قالوا: هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى. وقد: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: إنما خلق الإنسان من الشيء القليل من النطفة. ألا ترى أن الولد إذا أسكت ترى له مثل الرَّيْر؟ وإنما خُلق ابن آدم من مثل ذلك من النطفة أمشاج نبتليه. وقوله: { نَبْتَلِيهِ } نختبره. وكان بعض أهل العربية يقول: المعنى: جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه، فهي مقدّمة معناها التأخير، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصحّ، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإنْ عُدِمَ السمع والبصر. وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعاً وأبصاراً في هذه الآية، فتذكير منه لنا بنعمه، وتنبيه على موضع الشكر فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة، كما قال:ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ لِيَعبُدون } وقوله: { فَجَعَلْناهُ سمِيعاً بَصِيراً } يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به، إنعاماً من الله على عباده بذلك، ورأفة منه لهم، وحجة له عليهم.

PreviousNext
1 2