الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }

يعني بقوله: { يأَيُّها المُزَّمِّلُ } هو الملتفّ بثيابه. وإنما عني بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمُّل، فقال بعضهم: وصفه بأنه مُتَزمل في ثيابه، متأهب للصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَأَيُّها المُزَّمِّل }: أي المتزمل في ثيابه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { يَأَيُّها المُزَّمِّلُ } هو الذي تزمَّل بثيابه. وقال آخرون: وصفه بأنه متزمِّل النبوّة والرسالة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، في قوله: { يأيُّها المُزَّمِلُ قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً } قال: زُمِّلت هذا الأمر فقم به. قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة، لأنه قد عقبه بقوله: { قُم اللَّيْلَ } فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمُّل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظهر معنييه. وقوله: { قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً } يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قم الليل } يا محمد كله { إلا قليلاً } منه، { نِصْفَهُ } يقول: قم نصف الليل { أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أوْ زِدْ عَلَيْهِ } يقول: أو زد عليه خَيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أيّ ذلك شاء فعل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذُكر يقومون الليل، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذُكر حتى خفف ذلك عنهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أُسامة، عن مسعر، قال: ثنا سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزل أوّل المزمل، كانوا يقومون نحواً من قيامهم في رمضان، وكان بين أوّلها وآخرها قريب من سنة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمد بن بشر، عن مِسْعر، قال: ثنا سماك، أنه سمع ابن عباس يقول، فذكر نحوه. إلا أنه قال: نحواً من قيامهم في شهر رمضان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن حيان، عن موسى بن عبيدة، قال: ثني محمد بن طَحْلاء مولى أمّ سلمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس، فاجتمعوا، فخرج كالمغضَب، وكان بهم رحيماً، فخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل، فقال: " يا أيُّها النَّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الأعْمال ما تُطِيقُونَ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حتى تَمَلُّوا مِنَ العَمَلِ وخَيْرُ الأعْمالِ ما دُمْتُمْ عَلَيْهِ " ونزل القرآن: { يأَيُّها المُزَّمِّلِ قُمِ اللَّيْلِ إلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ } حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل.

السابقالتالي
2 3