الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً }

يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيلهم: { وأنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ } وهم المسلمون العاملون بطاعة الله { وَمنَّا دُونَ ذلكَ } يقول: ومنا دون الصالحين { كُنَّا طَرائقَ قدَداً } يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة، وهي الضروب والأجناس المختلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: { طَرَائقَ قِدَداً } يقول: أهواء مختلفة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وأنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } يقول: أهواء شتى، منا المسلم، ومنا المشرك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } كان القوم على أهواء شتَّى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { طَرَائِقَ قِدَداً } قال: أهواء. حدثني ابن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } قال: مسلمين وكافرين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } قال: شتَّى، مؤمن وكافر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } قال: صالح وكافر وقرأ قول الله: { وأنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلكَ }. وقوله: { وأنَّا ظَنَنَّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ } يقول: وأنا علمنا أن لن نُعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءاً { وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً } إن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا. { وأنَّا لَمَّا سَمِعْنا الهُدَى آمَنَّا بِهِ } يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به، يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله، فمن يؤمن بربه { فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً } يقول: فمن يصدّق بربه فلا يخاف بخساً: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازي عليها ولا رَهَقاً: ولا إثماً يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة يعملها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { فَلا يخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً } يقول: لا يخاف نقصاً من حسناته، ولا زيادة في سيئاته. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً } يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَلا يخافُ بَخْساً }: أي ظلماً، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئا، أو يحمل عليه ذنب غيره { وَلا رَهَقاً } ولا مأثماً. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { فَلا يَخافُ بخْساً وَلا رَهَقاً } قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئاً، ولا رهقاً فيظلم ولا يعطى شيئاً.