الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْـلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْـلَقُون } وإن قلت فـي العبـادة، قـيـل لك: أفكان آدم أشرك فـي عبـادة الله غيره؟ قـيـل له: إن القول فـي تأويـل قوله: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } لـيس بـالذي ظننت، وإنـما القول فـيه: فتعالـى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأما الـخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله: { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } ثم استؤنف قوله: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. كما: حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يقول: هذه فصل من آية آدم خاصة فـي آلهة العرب. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { شُرَكاءَ } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الـمكيـين والكوفـيـين: «جَعَلا لَهُ شِرْكاً» بكسر الشين، بـمعنى الشركة. وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفـيـين وبعض البصريـين: { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ } بضمّ الشين، بـمعنى جمع شريك. وهذه القراءة أولـى القراءتـين بـالصواب، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين لوجب أن يكون الكلام: فلـما آتاهما صالـحاً جعلا لغيره فـيه شركاً لأن آدم وحوّاء لـم يَدينا بأن ولدهما من عطية إبلـيس ثم يجعلا لله فـيه شركاً لتسميتهما إياه بعبد الله، وإنـما كانا يدينان لا شكّ بأن ولدهما من رزق الله وعطيته، ثم سمياه عبد الـحرث، فجعلا لإبلـيس فـيه شركاً بـالاسم، فلو كانت قراءة من قرأ: «شِرْكاً» صحيحة وجب ما قلنا أن يكون الكلام: جعلا لغيره فـيه شركاً، وفـي نزول وحي الله بقوله: { جَعَلا لَهُ } ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة: { شُرَكاءَ } بضم الشين علـى ما بـينت قبل. فإن قال قائل: فإن آدم وحوّاء إنـما سميا ابنهما عبد الـحرث، والـحرث واحد، وقوله: { شُرَكاءَ } جماعة، فكيف وصفهما جلّ ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء، وإنـما أشركا واحداً؟ قـيـل: قد دللنا فـيـما مضى علـى أن العرب تـخرج الـخبر عن الواحد مخرج الـخبر عن الـجماعة إذا لـم تقصد واحدا بعينه ولـم تسمه، كقوله:الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وإنـما كان القائل ذلك واحداً، فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن الـجماعة، إذ لـم يقصد قصده، وذلك مستفـيض فـي كلام العرب وأشعارها. وأما قوله: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فتنزيه من الله تبـارك وتعالـى نفسه، وتعظيـم لها عما يقول فـيه الـمبطلون ويدعون معه من الآلهة والأوثان. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال: هو الإنكاف، أنكف نفسه جلّ وعزّ، يقول: عظم نفسه، وأنكفته الـملائكة وما سبح له. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، قال: سمعت صدقة يحدّث عن السديّ، قال: هذا من الـموصول والـمفصول قوله: { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } فـي شأن آدم وحوّاء، ثم قال الله تبـارك وتعالـى: { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال: عما يشرك الـمشركون، ولـم يعنهما.

PreviousNext
1 2 3