الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ }

يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وجَنَّةُ، يقال منه: جنّ عليه الليل، وجنَّه الليل، وأجنَّه، وَأجَنَّ عليه، وإذا ألقيت «على» كان الكلام بالألف أفصح منه بغير الألف، «أجنه الليل» أفصح من «أجن عليه»، و «جنَّ عليه الليل» أفصح من «جنَّه»، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. وجَنَّه الليل في أسد وأجنَّه وجنَّه في تميم، والمصدر من جنّ عليه جَنًّا وجُنُوناً وجَنَاناً، ومن أجنّ إجْناناً، ويقال: أتى فلان في جِنِّ الليل، والجنّ من ذلك، لأنهم استَجنُّوا عن أعين بني آدم فلا يُرَوْن وكلّ ما توارى عن أبصار الناس فإن العرب تقول فيه: قد جَنّ ومنه قول الهُذليّ:
وَماءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى   وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأدْهَمُ
وقال عَبِيد:
وَخَرْقٍ تَصِيحُ البومُ فِيهِ معَ الصَّدَى   مَخُوفٍ إذا ما جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ
ومنه: أجننت الميت: إذا واريته في اللحد، وجننته. وهو نظير جنون الليل في معنى: غطيته. ومنه قيل للترس: مِجَنّ، لأنه يَجُنّ من استجنّ به فيغطيه ويواريه. وقوله: { رَأى كَوْكَباً } يقول: أبصر كوكباً حين طلع { قالَ هَذَا رَبي }. فرُوي عن ابن عباس في ذلك، ما: حدثني به المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ } يعني به: الشمس والقمر والنجوم. { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبي } فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحبّ الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي فعبده حتى غاب فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالِّين. فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي، هذا أكبر فعبدها حتى غابت فلما غابت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون. حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبي فَلَمَّا أفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } علم أن ربه دائم لا يزول فقرأ حتى بلغ: { هَذَا رَبي هَذَا أكْبَرُ } وأيّ خلقٍ هو أكبر من الخلقين الأوّلين وأنور. وكان سبب قيل إبراهيم ذلك، ما: حدثني به محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثني محمد بن إسحاق، فيما ذكر لنا والله أعلم: أن آزر كان رجلاً من أهل كُوثَى من قرية بالسواد سوادِ الكوفة، وكان إذ ذاك مُلْك المشرق لنمرود بن كنعان فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم حُجَّة على قومه ورسولاً إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم نبيّ إلاَّ هود وصالح فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله ما أراد، أتى أصحابُ النجوم نمرود، فقالوا له: تعلّمْ أنا نجد في عِلْمنا أن غلاماً يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا.

السابقالتالي
2 3