الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يزيد بن الـحبـاب، عن سفـيان، قال: إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه. حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لأبـي عمرو: ما يجزىء من مسح الرأس؟ قال: أن تـمسح مقدم رأسك إلـى القـفـا أحبّ إلـيّ. حدثنـي العبـاس بن الولـيد، عن أبـيه، عنه، نـحوه. وقال آخرون: معنى ذلك: فـامسحوا بجميع رؤوسكم. قالوا: إن لـم يـمسح بجميع رأسه بـالـماء لـم تـجزه الصلاة بوضوئه ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: ثنا أشهب، قال: قال مالك: من مسح بعض رأسه ولـم يعمّ أعاد الصلاة بـمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه. قال: وسئل مالك عن مسح الرأس، قال: يبدأ من مقدّم وجهه، فـيدير يديه إلـى قـفـاه، ثم يردّهما إلـى حيث بدأ منه. وقال آخرون: لا يجزىء مسح الرأس بأقلّ من ثلاث أصابع، وهذا قول أبـي حنـيفة وأبـي يوسف ومـحمد. والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه أمر بـالـمسح برأسه القائم إلـى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولـم يحدّ ذلك بحدّ لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك، فما مسح به الـمتوضىء من رأسه فـاستـحقّ بـمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدّى ما فرض الله علـيه من مسح ذلك لدخوله فـيـما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلـى صلاته. فإن قال لنا قائل: فإن الله قد قال فـي التـيـمـم: { فـامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ } أفـيجزىء الـمسح ببعض الوجه والـيدين فـي التـيـمـم؟ قـيـل له: كلّ ما مسح من ذلك بـالتراب فـيـما تنازعت فـيه العلـماء، فقال بعضهم: يجزيه ذلك من التـيـمـم، وقال بعضهم: لا يجزئه، فهو مـجزئه، لدخوله فـي إسم الـماسحين به. وما كان من ذلك مـجمعاً علـى أنه غير مـجزئه، فمسلـم لـما جاءت به الـحجة نقلا عن نبـيها صلى الله عليه وسلم، ولا حجة لأحد علـينا فـي ذلك إذ كان من قولنا: إن ما جاء فـي آي الكتاب عاماً فـي معنى فـالواجب الـحكم به علـى عمومه حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له، فإذا خصّ منه منه شيء كان ما خصّ منه خارجاً من ظاهره، وحكم سائره علـى العموم. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بذلك فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. والرأس الذي أمر الله جلّ وعزّ بـالـمسح به بقوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلـى القـفـا مـما استدبر، ودون ما انـحدر عن ذلك مـما استقبل من قِبَل وجهه إلـى الـجبهة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ }. اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرّاء الـحجاز والعراق: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } نصبـاً.

PreviousNext
   1011 12 13 14 15 16 17 18 19 20  مزيد