يقول تعالـى ذكره: { خَـلَقَكُمْ } أيها الناس { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعنـي من آدم { ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها } يقول: ثم جعل من آدم زوجه حواء، وذلك أن الله خـلقها من ضِلَع من أضلاعه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحدَةٍ } يعنـي آدم، ثم خـلق منها زوجها حواء، خـلقها من ضلع من أضلاعه. فإن قال قائل: وكيف قـيـل: خـلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها؟ وإنـما خـلق ولد آدم من آدم وزوجته، ولا شك أن الوالدين قبل الولد، فإن فـي ذلك أقوالاً: أحدها أن يقال: قـيـل ذلك لأنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللّهَ لَـمَّا خَـلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فأَخْرَج كُلَّ نَسَمَةٍ هِيَ كائِنَةٌ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ، ثُمَّ أسْكَنَهُ بَعْدَ ذلكَ الـجَنَّةَ، وَخَـلَقَ بَعْدَ ذلكَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أضْلاعِهِ " فهذا قول. والآخر: أن العرب ربـما أخبر الرجل منهم عن رجل بفعلـين، فـيردّ الأول منهما فـي الـمعنى بثم، إذا كان من خبر الـمتكلـم، كما يقال: قد بلغنـي ما كان منك الـيوم، ثم ما كان منك أمس أعجب، فذلك نسق من خبر الـمتكلـم. والوجه الآخر: أن يكون خـلقه الزوج مردوداً علـى واحدها، كأنه قـيـل: خـلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فـيكون فـي واحدة معنى: خـلقها وحدها، كما قال الراجز:
أَعْدَدْتَهُ للْـخَصْمِ ذِي التَّعَدِّي
كَوَّحْتَهُ مِنْكَ بِدُونِ الـجَهُدِ
بـمعنى: الذي إذا تعدى كوحته، ومعنى: كوّحته: غلبته. والقول الذي يقوله أهل العلـم أولـى بـالصواب، وهو القول الأوّل الذي ذكرت أنه يقال: إن الله أخرج ذرّية آدم من صلبه قبل أن يخـلق حوّاء، وبذلك جاءت الرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقولان الآخران علـى مذاهب أهل العربـية. وقوله: { وأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } يقول تعالـى ذكره: وجعل لكم من الأنعام ثمانـية أزواج من الإبل زوجين، ومن البقر زوجين، ومن الضأن اثنـين، ومن الـمعْز اثنـين، كما قال جلّ ثناؤه:{ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَـيْن وَمِنَ الـمَعْزِ اثْنَـيْن } كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } قال: من الإبل والبقر والضأن والـمعز. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } من الإبل اثنـين، ومن البقر اثنـين، ومن الضأن اثنـين، ومن الـمعز اثنـين، من كلّ واحد زوج.