الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

قال: ويتزين النساء للرجال، وإن رجلاً من أهل الـجبل هجم علـيهم وهم فـي عيدهم ذلك، فرأى النساء، فأتـى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتـحوّلوا إلـيهنّ، فنزلوا معهنّ، فظهرت الفـاحشة فـيهنّ، فهو قول الله: { وَلا تَبرَّجْنَ تَبرُّجَ الـجاهِلِـيَّةِ الأُولـى }. وأَولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره نهى نساء النبـيّ أن يتبرّجن تبرّج الـجاهلـية الأولـى، وجائز أن يكون ذلك ما بـين آدم وعيسى، فـيكون معنى ذلك: ولا تبرّجن تبرّج الـجاهلـية الأولـى التـي قبل الإسلام. فإن قال قائل: أَوَ فـي الإسلام جاهلـية حتـى يقال: عنى بقوله { الـجاهِلِـيَّةِ الأولـى } التـي قبل الإسلام؟ قـيـل: فـيه أخلاقٌ من أخلاق الـجاهلـية. كما: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلا تَبرَّجْنَ تَبرُّجَ الـجاهِلِـيَّةِ الأُولـى } قال: يقول: التـي كانت قبل الإسلام، قال: وفـي الإسلام جاهلـية؟ قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لأبـي الدرداء، وقال لرجل وهو ينازعه: يا ابْن فلانة، لأُمّ كان يعيره بها فـي الـجاهلـية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبـا الدَّرْدَاءِ إنَّ فِـيكَ جاهِلِـيَّةً " ، قال: أجاهلـية كفر أو إسلام؟ قال: " بل جاهِلِـيَّةُ كُفْرٍ " ، قال: فتـمنـيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ. قال: وقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الـجاهِلِـيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الطَّعْنُ بـالأنْساب، والإسْتِـمْطارُ بـالكَوَاكِبِ، والنِّـياحَةُ " حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال، عن ثور، عن عبد الله بن عبـاس، أن عمر بن الـخطاب، قال له: أرأيت قول الله لأزواج النبـيّ صلى الله عليه وسلم: { وَلا تَبرَّجْنَ تَبرُّجَ الـجاهِلِـيَّةِ الأُولـى } هل كانت إلا واحدة، فقال ابن عبـاس: وهل كانت من أُولـى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر: لله درك يابن عبـاس، كيف قلت؟ فقال: يا أمير الـمؤمنـين، هل كانت من أُولـى إلا ولها آخرة؟ قال: فأت بتصديق ما تقول من كتاب الله، قال: نعموَجاهِدُوا فِـي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ كمَا جاهَدْتُـمْ أوَّلَ مَرَّةٍ } قال عمر: فمن أُمر بـالـجهاد؟ قال: قبـيـلتان من قريش: مخزوم، وبنو عبد شمس، فقال عمر: صدقت. وجائز أن يكون ذلك ما بـين آدم ونوح. وجائز أن يكون ما بـين إدريس ونوح، فتكون الـجاهلـية الآخرة، ما بـين عيسى ومـحمد، وإذا كان ذلك مـما يحتـمله ظاهر التنزيـل. فـالصواب أن يقال فـي ذلك، كما قال الله: إنه نهى عن تبرّج الـجاهلـية الأولـى. وقوله: { وأقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِـينَ الزَّكاةَ } يقول: وأقمن الصلاة الـمفروضة، وآتـين الزكاة الواجبة علـيكنّ فـي أموالكنّ { وَأطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولهُ } فـيـما أمراكنّ ونهياكنّ { إنَّـمَا يُريدُ اللَّهُ لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ } يقول: إنـما يريد الله لـيذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بـيت مـحمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون فـي أهل معاصي الله تطهيراً.

PreviousNext
1 2 4 5 6 7