الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: { إنّـي جاعِلُكَ للنّاسِ إماماً } لـيؤتـمّ به، ويقتدي به يقال منه: أمـمت القوم فأنا أؤمهم أمًّا وإمامةً إذا كنت إمامهم. وإنـما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيـم: { إنّـي جاعِلُكَ للنّاسِ إماماً } إنـي مصيرك تؤمّ مَنْ بَعْدَكَ من أهل الإيـمان بـي وبرسلـي، فتقدمهم أنت، ويتبعون هديك، ويستنّون بسنتك التـي تعمل بها بأمري إياك ووحيـي إلـيك. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قالَ وَمِنْ ذُرِّيّتِـي }. يعنـي جل ثناؤه بذلك، قال إبراهِيـمُ لـما رفع الله منزلته وكرّمه، فأعلـمه ما هو صانع به من تصيـيره إماما فـي الـخيرات لـمن فـي عصره ولـمن جاء بعده من ذرّيته وسائر الناس غيرهم يهتدي بهديه ويقتدي بأفعاله وأخلاقه: يا ربّ ومن ذرّيتـي فـاجعل أئمة يقتدي بهم كالذي جعلتنـي إماما يؤتـمّ به ويتقدى بـي مسألة من إبراهيـم ربه سأله إياها. كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: قال إبراهيـم: { وَمِنْ ذُرّيَّتِـي } يقول: فـاجعل من ذرّيتـي من يؤتـمّ به ويقتدي به. وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيـم: { وَمِنْ ذُرَّيّتِـي } مسألة منه ربَّه لعقبه أن يكونوا علـى عهده ودينه، كما قال:وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] فأخبر الله جل ثناؤه أن فـي عقبه الظالـم الـمخالف له فـي دينه بقوله: { لا يَنَالُ عَهْدِي الظّالِـمِينَ }. والظاهر من التنزيـل يدلّ علـى غير الذي قاله صاحب هذه الـمقالة لأن قول إبراهيـم صلوات الله علـيه: { وَمِنْ ذُرِّيّتِـي } فـي إثر قول الله جل ثناؤه: { إنّـي جاعِلُكَ للنّاسِ إماماً } فمعلوم أن الذي سأله إبراهيـم لذرّيته لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه لكان مبـيناً ولكن الـمسألة لـما كانت مـما جرى ذكره، اكتفـى بـالذكر الذي قد مضى من تكريره وإعادته، فقال: { وَمِنْ ذُرّيَّتِـي } بـمعنى: ومن ذرّيتـي فـاجعل مثل الذي جعلتنـي به من الإمامة للناس. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِـمِينَ }. هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالـم لا يكون إماماً يقتدي به أهل الـخير، وهو من الله جل ثناؤه جواب لـما توهم فـي مسألته إياه أن يجعل من ذرّيته أئمة مثله، فأخبر أنه فـاعل ذلك إلا بـمن كان من أهل الظلـم منهم، فإنه غير مصيّره كذلك، ولا جاعله فـي مـحل أولـيائه عنده بـالتكرمة بـالإمامة لأن الإمامة إنـما هي لأولـيائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به. واختلف أهل التأويـل فـي العهد الذي حرّم الله جل ثناؤه الظالـمين أن ينالوه، فقال بعضهم: ذلك العهد هو النبوّة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي، قال: { لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِـمِينَ } يقول: عهدي، نبوّتـي.

PreviousNext
1 2 3 4 5 7 8