الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

يقول تعالـى ذكره: فكلـي من الرطب الذي يتساقط علـيك، واشربـي من ماء السريّ الذي جعله ربك تـحتك، لا تـخشي جوعاً ولا عطشاً { وَقَرّي عَيْناً } يقول: وطيبـي نفسا وَافرحي بولادتك إياي ولا تـحزنـي. ونصبت العين لأنها هي الـموصوفة بـالقرار. وإنـما معنى الكلام: ولتقرِر عينك بولدك، ثم حوّل الفعل عن العين إلـى الـمرأة صاحبة العين، فنصبت العين إذ كان الفعل لها فـي الأصل علـى التفسير، نظير ما فعل بقوله:فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً } وإنـما هو: فإن طابت أنفسهن لكم. وقوله:وَضَاقَ بِهِم ذَرْعاً } ومنه قوله: «يُساقِطْ عَلَـيْكِ رُطُبـاً جَنِـيًّا» إنـما هو يساقط علـيك رطب الـجذع، فحوّل الفعل إلـى الـجِذع، فـي قراءة من قرأه بـالـياء. وفـي قراءة من قرأه:تُساقِطْ } بـالتاء، معناه: يساقط علـيك رطب النـخـلة، ثم حوّل الفعل إلـى النـخـلة. وقد اختلفت القراء فـي قراءة قوله: { وقَرّي } فأما أهل الـمدينة فقرأوه: { وَقَرِّي } بفتـح القاف علـى لغة من قال: قَرِرت بـالـمكان أَقَرّ به، وقَرِرت عينا، أَقَرّ به قُروراً، وهي لغة قريش فـيـما ذكر لـي وعلـيها القراءة. وأما أهل نـجد فإنها تقول قررت به عينا أقربه قراراً وقررت بـالـمكان أقر به، فـالقراءة علـى لغتهم: «وَقرِي عَيْناً» بكسر القاف، والقراءة عندنا علـى لغة قريش بفتـح القاف. وقوله: { فإمَّا تَرِيَنَّ مِنَ البَشَرِ أحَداً } يقول: فإن رأيت من بنـي آدم أحدا يكلـمك أو يسائلك عن شيء من أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه { فَقُولـي إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } يقول: فقولـي: إنـي أوجبت علـى نفسي لله صمتاً ألاّ أكلـم أحداً من بنـي آدم الـيوم { فَلَنْ أُكَلِّـمَ الـيَوْمَ إنْسِيًّا }. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الصوم، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا معتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: سمعت أنس بن مالك يقول فـي هذه الآية { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } صمتاً. حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي الـمغيرة بن عثمان، قال: سمعت أنس بن مالك يقول { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال: صمتاً. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال: يعنـي بـالصوم: الصمت. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن سلـيـمان التـيـميّ، قال: سمعت أنسا قرأ: «إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً وَصَمْتاً». حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } أما قوله: { صَوْماً } فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال: كان من بنـي إسرائيـل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام، إلا مِن ذكر الله، فقال لها ذلك، فقالت: إنـي أصوم من الكلام كما أصوم من الطعام، إلا من ذكر الله فلـما كلـموها أشارت إلـيه، فقالوا:

السابقالتالي
2