الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا مـحمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتبعوا أهواءهم: الـحقّ أيها الناس من عند ربكم، وإلـيه التوفـيق والـحذلان، وبـيده الهدى والضلال يهدي من يشاء منكم للرشاد، فـيؤمن، ويضلّ من يشاء عن الهدى فـيكفر، لـيس إلـيّ من ذلك شيء، ولست بطارد لهواكم من كان للـحقّ متبعا، وبـالله وبـما أنزل علـيّ مؤمناً، فإن شئتـم فآمنوا، وإن شئتـم فـاكفروا، فإنكم إن كفرتـم فقد أعدّ لكم ربكم علـى كفركم به نار أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتـم به وعملتـم بطاعته، فإن لكم ما وصف الله لأهل طاعته. وروي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } يقول: من شاء الله له الإيـمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله:وَما تَشاءُونَ إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ رَبْ العَالَـمِينَ } ولـيس هذا بإطلاق من الله الكفر لـمن شاء، والإيـمان لـمن أراد، وإنـما هو تهديد ووعيد. وقد بـين أن ذلك كذلك قوله: { إنَّا اعْتَدْنا للظَّالِـمينَ ناراً } والآيات بعدها. كما: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عمر بن حبـيب، عن داود، عن مـجاهد، فـي قوله: { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ }. قال: وعيد من الله، فلـيس بـمعجزي. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } ، وقولهاعْمَلُوا ما شِئْتُـمْ } قال: هذا كله وعيد لـيس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضاً. وقوله: { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمينَ ناراً } يقول تعالـى ذكره: إنا أعددنا، وهو من العُدّة. للظالـمين: الذين كفروا بربهم. كما: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمِينَ ناراً أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } قال: للكافرين. وقوله: { أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } يقول: أحاط سرادق النار التـي أعدّها الله للكافرين بربهم، وذلك فـيـما قـيـل: حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الـحجرة التـي تطيف بـالفسطاط، كما قال رؤبة:
يا حَكَمَ بنَ الـمُنْذِرِ بْنَ الـجارُودْ   سُرادِقُ الفَضْلِ عَلَـيْكَ مَـمْدُودْ
وكما قال سلامة بن جندل:
هُوَ الـمُوِلـجُ النُّعْمانَ بـيْتاً سَماؤُهُ   صُدُورُ الفُـيُولِ بعدَ بَـيْتٍ مُسَرْدَق
يعنـي: بـيتا له سرادق. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس، فـي قوله: { إنَّا أعْتَدْنا للظَّالِـمِينَ ناراً أحاطَ بِهمْ سُرَادِقُها } قال: هي حائط من نار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان، عن معمر، عمن أخبره، قال { أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } قال: دخان يحيط بـالكفـار يوم القـيامة، وهو الذي قال الله:

السابقالتالي
2 3 4