الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

وقوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }.

فهو - والله أعلم - على إضمار الأَمر، أي: قل: ذا. ثم لم يجعل له أن يَسْتثنى في القول به، بل ألزمه القول بالقول فيه. ثم هو يتوجه وجهين:

أحدهما: يحال القول به على الخبر عن حاله؛ فيجب ألا يستثنى في التوحيد، وأن من يَسْتَثْني فيه عن شَكٍّ يُسْتَثْنَى.

والله - تعالى - وصف المؤمنين بقوله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ... } الآية [الحجرات: 15].

وكذلك " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: " إيمان لا شكَّ فيه " ".

والثاني: عن الأحوال التي ترد في ذلك. لكنه إذا كان ذلك على اعتقاد المذهب لم يجز الشك فيه؛ إذ المذاهب لا تعتقد لأوقات، إنما تعتقد للأبد؛ لذلك لم يجز الثناء فيه في الأبد. وبالله التوفيق.

ثم قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } يتوجه وجهين:

أحدهما: إلى التوحيد، وكذا رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: " كُلُّ عبادةٍ في القرآنِ فهو توحيدٌ ".

والوجه الآخر: أن يكون على كل طاعة أن يعبد الله بها، وأصلها يرجع إلى واحد؛ لما على العبد أن يوحد الله - تعالى - في كل عبادة لا يُشرك فيها أحداً، بل يخلصها فيكون موحِّداً لله تعالى بالعبادة والدين جميعاً.

وعلى ذلك قطعُ الطمع، والخوف، والحوائج كلها عن الخلقِ.

وتوجيهُ ذلك إلى الله تعالى بقوله:أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [فاطر: 15] وعلى ذلك المؤمن لا يطمعُ في الحقيقة بأحدٍ غير الله، ولا يرفع إليه الحوائج، ولاَ يخاف إلا من الوجه الذي يخشى أن الله جعله سبباً لوصول بلاءٍ من بلاياه إليه على يديه؛ فعلى ذلك يخافُه، أو يرجو أن يكون الله تعالى جعلَ سببَ ما دفعه إليه على يديه، فبذلك يرجو ويطمع، فيكون ذلك من الضَّالِّين، فيكون في ذلك التعوُّذُ من جميع أنواع الذنوب، والاستهداءُ إلى كل أنواع البر.

وقوله: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }.

فذلك طلب المعونة من الله تعالى على قضاء جميع حوائجه ديناً ودنيا.

ويحتمل أن يكون هو على أثر الفزع إلى الله بقوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } على طلب التوفيقِ لما أَمر به، والعصمة عما حذَّره عنه، وكذلك الأَمر البيّن في الخلق من طلب التوفيق، والمعونة من الله، والعصمةِ عن المنهي عنه جرت به سنة الأَخيار. والله الموفق.

ثم لا يصلح هذا على قول المعتزلة؛ لأن تلك المعونةَ على أَداءِ ما كلف قد أَعطى؛ إذ هو على قولهم لا يجوز أن يكون مكلفاً قد بقي شيء - مما به أَداءُ ما كلف - عند الله، وطلبُ ما أُعْطِي كتمانُ العطيةِ، وكتمانُ العطيةِ كفرانٌ؛ فيصير كأَنَّ الله أَمر أَن يَكْفُر نعمَهُ ويكتمها ويطلبها منه تعنتاً.

السابقالتالي
2 3 4