الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

وقولهم:لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ... } الآية [آل عمران: 181]. وقول الله تعالى فيهم:لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ... } الآية [المائدة: 82].

وكفرِهم برسول الله صلى الله عليهم وسلم بعد استفتاحهم، وشدة تعنتهم، وظهور النفاق؛ فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهم، وإن كانوا شركاء غيرهم في اسم الضلال. وبالله التوفيق.

وفي هذا وجه آخر: أَن يُحْمل الذنوب على وجهين:

منها ما يوجب الغضب: وهو الكفر - ومنها ما يوجب اسم الضلال - وهو ما دونه - كقول موسى:فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [الشعراء: 20].

ورؤية الهداية لأَهلها والتعوذ به من كل ضلال، ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه - وبالله النجاة والخلاص - مع ما في خبر القسمة، وعد جليل من رب العالمين في إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج، إذْ قال: " قسَمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين " ثم صَيَّر آخر السورة لعبده، وليس في صلاته سوى إظهار الفقر، ودفع الحاجة، وطلب المعونة، والاستهداء إلى ما ذكر مع التعوذ عما وصف، وليس ذلك مما يوصف به العبد أَنَّه له؛ فثبت أن له في ذلك إجابة ربه فيما أمره به، ووعد ذلك، وهو لا يخلف وعده.

فأَنَّى يحتمل ذلك بعد أمره العبدَ بالذي تضمنه أول السورة، فقام به العبد مع لُؤمه وجفائه، والله بكرمه وجوده لا ينجز له ما وعد؟!

لا يكون هذا أَلبتة، وقد قال:ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] وغير ذلك مما فيه الإنجاز، وأنه لا يخلف الميعاد.

ثم قد جعلت - بما جاء من الحديث في تلاوتها - أن قدمها على التوراة، والإنجيل، وعدلها بثلثي القرآن، وجعلها شفاءً من أَنواع الأدواء للدين، والنفس، والدنيا، وجعلها معاذاً من كل ضلال، وملجأً إلى كل نعمة. وبالله نستعين.

مع ما أَوضح - في الأَسماء التي لقب بها فاتحة القرآنَ - عظيمَ موقعه، وجليلَ قدره، وهو أن سمَّاه فاتحة القرآن بما به يفتح القرآن، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح القراءَة به وسمى فاتحة الكتاب بما به يفتتح كتابة المصاحف والقرآن.

وسمى أُم القرآن لما يؤم غيره في القراءَة.

وقيل: الأُم بمعنى الأَصل، وهو ألا يحتمل شيء مما فيه النسخَ ولا الرفعَ فصار أصلاً.

وسمى المثاني؛ لما يثنى في الركعات، ولا قوة إلا بالله.

وفي قوله: { ٱهْدِنَا } إلى آخره وجهان سوى ما ذكرنا؛ إذ قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } دعاء كاف عما تضمن إلى آخر السورة؛ إذ ليس فيها غير تفسير هذه الجملة.

أحدهما: تذكير نعم الله على الذين يقبلون دينه في قلوبهم، والتوفيق لهم بذلك، وأفضاله عليهم بما ليس لهم عليه.

والثاني: تعوذهم عن زيغ ومقت، وضلال، وذنب، والتجاؤم إليه في ذلك بقوله: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.


PreviousNext
1 2 3