الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

ووجه آخر: على أن في كل حال يخاف على المرءِ ضد الهدى، فيهديه مكانه أبداً فيكون له حكم الاهتداءِ؛ إذْ في كل وقت إيمانٌ منه دفع به ضده.

وعلى ذلك قوله:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ... } الآية [النساء: 136] ونحو ذلك من الآيات.

وقد يحتمل أيضاً معنى الزيادةِ هذا النوعُ. وبالله التوفيق.

وأما { ٱلصِّرَاطَ } فهو الطريق والسبيل في جميع التآويل وهو قوله:وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي... } الآية [الأنعام: 153]، وقوله:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108].

ثم اختلفوا فيما يراد به:

فقال بعضهم: هو القرآن.

وقال بعضهم: هو الإيمان.

وأيهما كان فهو القائم الذي لا عوج له، والقيِّم الذي لا اختلاف فيه، مَنْ لزِمهُ وصَلَ إلى ما ذكر. وبالله التوفيق.

وقوله: { ٱلْمُسْتَقِيمَ }.

قيل: هو القائم بمعنى الثابت بالبراهين والأَدلة، لا يُزيله شيء، ولا ينقضُ حُجَجه كيدُ الكائدين، ولا حيلُ المريبين.

وقيل: { ٱلْمُسْتَقِيمَ } الذي يستقيم بمن تمسك به حتى يُنجيه، ويدخله الجنة.

وقيل: { ٱلْمُسْتَقِيمَ } بمعنَى: يُستقامُ به؛ كقوله:وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [النمل:86]، أي: يُبْصَرُ به. يدل عليه قوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ... } الآية [فصلت: 30]، فالمستقيم هو المتبع له. وبالله التوفيق.

ثم ذكر من ذكر من المُنعَم عليهم؛ ولله على كل مؤمن نعَمٌ بالهداية.

وما ذكر دليل على أن " الصراط " هو الدين؛ لأَنه أنعم به على جميع المؤمنين.

لكن تأْويل من يردُّ إلى الخُصوص يتوجه وجهين:

أحدهما: أنه أَنعم عليهم بمعرفة الكتب والبراهين، فيكون على التأْويل الثاني من القرآن والأدلة.

والثاني: أن يكون لهم خصوص في الدين قُدِّموا به على جميع المؤمنين؛ كقول داود، وسليمان:ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النمل: 15]، وعلى هذا الوجه يكون { ٱهْدِنَا }.

ووجه آخر: وهو المخصوص الذي خص به كثيراً من المؤمنين من بين غيرهم، لكن الثُّنْيَا يدل على صرف الإرادة إلى جملة المؤمنين؛ إذ انصرف إلى غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

وقولَهُ: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

على قول المعتزلة: ليس لله على أحد من المؤمنين نعمة ليست على المغضوب عليهم ولا الضالين؛ إذ لا نعمة من الله على أحد إلا الأَصلح في الدين والبيان للسبيل المرضي، وتلك قد كانت على جميع الكفرة فيبطل على قولهم الثُّنْيَا. والله الموفق.

ثم اختلف فى { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.

منهم من قال: هو واحد؛ إذ كل ضال قد استحق الغضب عليه، وكل مغضوب عليه استحق الوصف بالضلال.

ومنهم من قال: { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } هم اليهود، وإنما خصوا بهذا: بما كان منهم من فضل تمرد وعُتُو لم يكن ذلك من النصارى نحو إنكارهم بعيسى، وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى.

ثم قولهم في الله:يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ... } الآية [المائدة: 64].

PreviousNext
1 2 4