الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

فيكون معنى الكلمة صفوة الله.. والاصطفاء هنا ليعقوب وليس لذريته. فإذا نظرنا إلى إسرائيل الذي هو يعقوب كيف أخذ هذا الاسم. نجد أنه أخذ الاسم لأنه ابتلى من الله بلاء كبيراً. استحق به أن يكون صفياً لله، وعندما ينادي الله تعالى قوم موسى بقوله: يا بني إسرائيل. فإنه يريد أن يذكرهم بمنزلة إسرائيل عند الله. ما واجهه من بلاء. وما تحمله في حياته. فاذكروا ما وصاكم به حين حضرته الوفاة.. واقرأ قوله تبارك وتعالى:أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 133]. ثم يأتي بعد ذلك قول يعقوب.. واقرأ قوله تعالى:يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [البقرة: 132]. تلك هي الوصية التي وصى بها يعقوب بنيه.. فيها علم وفيها عظة. علم بأن الله إله واحد لا شريك له، وأن الدين هو الإسلام، وعظة وتذكير بأن الله اختار لهم الدين فليحرصوا عليه حتى الموت. ولقد جاءت هذه الوصية حين حضر يعقوب الموت، وساعة الموت يكون الإنسان صادقاً مع نفسه، وصادقاً مع ذريته. فكأنه سبحانه وتعالى حينما يقول: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 40] يريد أن يذكرهم بإسرائيل وهو يعقوب وكيف تحمل وظل صابراً، ووصيته لهم ساعة الموت. إن الله سبحانه وتعالى يذكر الأبناء بفضله على الآباء علهم يتعظون أو يخجلون من المعصية تماما كما يكون هناك عبد صالح أسرف أبناؤه على أنفسهم. فيقال لهم: ألا تخجلون؟ أنتم أبناء فلان الرجل الصالح. لا يصح أن ترتكبوا ما يغضب الله … { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 40]. إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق، وإسحاق ابن إبراهيم، وإبراهيم أنجب إسحاق وإسماعيل.. ورسولنا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل. والله سبحانه وتعالى يقول: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 40] ولكن الله سبحانه وتعالى حين يخاطب المسلمين لا يقول اذكروا نعمة الله، وإنما يقول: " اذكروا الله " لأن بني إسرائيل ماديون ودنيويون. فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهم: ما دمتم ماديين ودنيويين، فاذكروا نعمة الله المادية عليكم. ولكننا نحن المسلمين أمة غير مادية. وهناك فرق بين أن يكون الإنسان مع النعمة، وأن يكون مع المُنْعِم. الماديون يحبون النعمة، وغير الماديين يحبون المُنْعِم، ويعيشون في معيته، ولذلك فخطاب المسلمين: " اذكروا الله " لأننا نحن مع المُنْعِم. بينما خطابه سبحانه لبني إسرائيل: " اذكروا نعمة الله ". والحديث القدسي يقول: " أنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فلا يُجْعَل مَعِيَ إِلَهٌ، فمَنْ اتَّقَى أَنْ يَجْعَل مَعِيَ إِلهاً كان أَهْلاً أَنْ أَغْفِرَ لَهُ " فالله سبحانه وتعالى واجب العبادة، ولو لم يخلق الجنة والنار.

PreviousNext
1 3 4 5