الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

. كأمر الله لنا بالسجود إلى القبلة في الصلاة، فنحن لا نسجد للقبلة ذاتها.. ولكننا نسجد لأمر الله بالسجود إلى القبلة.. سجد الملائكة الذين شملهم أمر السجود لأمر الله سبحانه وتعالى.. ولكن إبليس رفض أن يسجد، وعصى أمر الله. بعض الناس يقولون: إن إبليس لم يكن من الذين أمرهم الله تعالى بالسجود. لأن الأمر شمل الملائكة وحدهم.. وإبليس ليس ملكاً. ولكنه من الجن. كما يروي لنا القرآن الكريم في قوله تعالى:إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.. } [الكهف: 50]. ونقول: إن كون إبليس من الجن هو الذي جعله يعصي أمر الله بالسجود، فلو أن إبليس كان من الملائكة - وهم مقهورون على الطاعة - كان لابد أن يطيع أمر الله ويسجد، ولكن كونه من الجن الذين لهم اختيار في أن يطيعوا وأن يعصوا فذلك الذي مَكَّنه أن يعصي أمر السجود ولذلك فإن الذين يأخذون من الآية الكريمة أن إبليس كان من الجن، بأنه لم يشمله أمر السجود، نقول لهم: إن الحق سبحانه وتعالى قد أخبرنا عن جنس إبليس حتى نفهم من أي باب إلى المعصية دخل.. ذلك أنه دخل من باب الاختيار الممنوح للإنس والجن في الحياة الدنيا وحدها، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون إبليس مقهوراً على الطاعة ما كان يستطيع أن يعصي، ولكن معصيته جاءت من أنه خُلِق مختاراً.. والاختيار هو الباب الذي دخل منه إلى المعصية. هذه حقيقة يجب أن نفهمها ولذلك يرد الحق سبحانه وتعالى على كل مَنْ سيخطر بباله أن أمر السجود لم يشمل إبليس لكونه من الجن، لقوله سبحانه وتعالى:قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ.. } [الأعراف: 12]. وكان كفر إبليس وخلوده في النار أنه ردَّ الأمر على الآمر، وقال:أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [الإسراء: 61]. وقد كان وجود إبليس مع الأعلى منه، وهم الملائكة، مبررا أكبر للسجود فما دام قد صدر الأمر إلى الأعلى بالسجود، فإنه ينطبق على الأدنى. وقد كان إبليس كما جاء في الأثر يُسمَّى طاووس الملائكة.. وكان يزهو بخيلاء بينهم.. وهذه الخيلاء أو الكِبْر هو الذي جعله يقع في المعصية، ولأن إبليس خُلِق مختاراً، فقد كان مزهواً باختياره لطاعة الله.. قبل أن يقوده غروره إلى الكفر والمعصية، ولذلك لم يكد يصدر الأمر من الله بالسجود لآدم، حتى امتنع إبليس تكبراً منه.. ولم يجاهد نفسه على طاعة الله.. فمعصية إبليس هي معصية في القمة لأنه ردَّ الأمر على الآمر، وظن أنه خير من آدم.. ولم يلتزم بطاعة الله، ومضى غروره يقوده من معصية إلى أخرى فطرده الله من رحمته وجعله رجيماً. ولما عرف إبليس أنه طُرِد من رحمة الله طلب من الله سبحانه وتعالى أن يُبقيه إلى يوم الدين، وأقسم إبليس بعزة الله أن يُغري بني آدم.

PreviousNext
1 3